قبل أربع وثلاثين سنة من اليوم بالضبط كان ميلادي ولذلك قررت أن أعيش هذا اليوم بطريقة مختلفة وبطعم آخر، بطريقة تجعلني استرجع ولو جزءاً بسيطا من ذكرياتي خلال سنوات عمري الماضية، وبطعم متميز يوازي تميز هذا اليوم بالنسبة لدي.
كنت محظوظا جدا أن صادف هذا اليوم تواجد واحد من أعز أصدقاء طفولتي. عبدالله الحكمي. حيث كان أبوعبدالوهاب متواجدا في الرياض لمدة يومين بعد غياب عنها وعني استمر لقرابة الثلاث سنوات. كما صادف هذا اليوم أن كان يوما يزينه رذاذ المطر الذي بدأ وكأنه يشاركني فرحتي بيوم ميلادي، وغائما وكأنه يغطي عني بكل حنان أشعة الشمس.
استقليت سيارتي أنا وعبدالله فجر ذلك اليوم متجهين إلى المكان الذي جمعنا صغارا “عماير الضباط”.
وصلنا إلى هناك قبيل صلاة الفجر. دخلنا المسجد الذي كم صلينا فيه مرارا وتكرارا سنوات وسنوات. دخلنا من نفس الباب ولكن الأعمار لم تكن نفسها الأعمار التي زادت عشرين سنة!
بعد الصلاة تأملت وجوه المصلين، لم أميز منهم أحدا، جيل ذهب وجاء بعده جيل، جيل لايشبه سابقه في أي شيء!
بعد الصلاة خرجنا من المسجد واتجهنا لإلقاء نظرة من بعيد على شققنا، على مواقف سياراتنا، على المصعد الذي كنا نراه كبيرا وأصبح الآن من أصغر مايكون، على المراجيح، على الدرج والصالة ومكان القمامة -أجلكم الله-. كنا نمر على كل هذه الذكريات ولانتخيل أبدا بأننا في تلك الأيام كنا نعتقد بأننا سنزور هذا المكان بعد كل هذه السنوات لنتذكره ونعيشه كمجرد أطلال وذكريات.
مر الوقت من أسرع مايكون. كنا نشعر بأن الأوقات كلها لن تسعنا للاستمتاع باستعادة كل الذكريات. كنا نود أن نقضي اليوم كله هناك تماما كما كنا نقضيه في السابق نلهو ونلعب بدون أن تكون المسئوليات في انتظارنا أو الارتباطات تملأ يومنا.
أنهينا الجولة ا”لذكرياتية”. ركبنا السيارة وخرجنا من بوابة “العماير”. كنا غير مصدقين أبدا بأننا عشنا للتو ذكريات ولحظات وأماكن كنا نعيشها سويا قبل عشرين سنة!
قبل أن ينزل عبدالله من سيارتي التفت إلي وقال:
“ابو محمد.. تتوقع راح نرجع لهنا بعد عشرين سنة وتكون جولتنا هذي من الذكريات؟!”
قلت له: “الله يحيينا حياة طيبة ياعبدالله.. بس ضروري إذا جينا هنا بعد عشرين سنة يكون معنا أحفاد مو أولاد وبس!”
وضحكنا!