عندما كنت في الصف الأول الابتدائي حصل لي موقف لن أنساه أبدا. أثناء لعبي في الفسحة وجدت “خمسة ريال” واقعة على الأرض في ساحة المدرسة. يبدو بأنها سقطت من أحد الطلاب دون أن يدري. عندما رأيت الخمسة ريالات أخذتها ووضعتها في جيبي وعدت إلى البيت. بحكم طفولتي، لم يكن لدي أي خيار آخر سوى أن آخذ المبلغ وأعتبره هبة من السماء تستحق -بكل براءة – أن أشكر الله عليها. أتذكر بأنني وبمجرد دخولي إلى البيت ذهبت إلى أمي وحكيت لها الموقف بكل فرح وفخر. كنت سعيدا جدا بحصولي على مثل هذا المبلغ الذي كان يعادل مصروف ثلاثة أيام تقريبا حينها وكان كفيلا بأن يشتري لي زعتر وبيتزا وبطاطس زينة ونحول وببسي وعصير أدلع بها نفسي بقية أيام الأسبوع. مازلت أتذكر وجه أمي عندما حدثتها بالموقف. لم يكن وجها راضيا أو سعيدا كما توقعت! قالت لي:”باسم.. هذي فلوس ولد طاحت منه.. هذي حقته.. خذها معك بكرة وعطها الاستاذ عشان يدور صاحب الفلوس ويرجعها له.” لم أكن سعيدا برد أمي وقتها وكنت أتمنى لو أنني أبقيت هذه الثروة معي! كان الموقف -بحق- موقفا صعبا.
اليوم وبعد سنوات.. دخلت إلى السوبر ماركت القريب من بيتي وبعد أن اشتريت بعض الأغراض أعطيت المحاسب بطاقتي الفيزا ليخصم مبلغ مااشتريته منها ولكنني عندما عدت إلى البيت وقرأت رسائل الجوال تفاجأت بأن المبلغ الذي خصم من الفيزا كان ستة ريالات بدلا من ستين ريالا! هذه المرة، كان لدي خيار آخر.. خيار ربتني عليه أمي عندما كنت طفلا.. خيار لم يكن أبدا صعبا.. خيار “الأمانة”!
عدت إلى السوبر ماركت وأريت المحاسب الرسالة وأعطيته بطاقتي فقام بخصم ماتبقى من الحساب وشكرني من أعماق قلبه.
في كلا الموقفين ربما كان موقفي “القانوني” سليما فيما لو قررت الاحتفاظ بالمبلغ. فالخطأ لم يكن خطأي والنظام غالبا لن يتهمني بالسرقة، ولكن هل سيكون موقفي فيما لو احتفظت بالمبلغ سليما “أخلاقيا”؟! أبدا!
وأنا أكتب لكم هذين الموقفين، مرت بخاطري العديد من المواقف سواء في حياتنا العملية أو الاجتماعية التي قد تكون بنفس الصورة؛ سليمة من الناحية القانونية ولكنها عكس ذلك من الناحية الأخلاقية. مواقف ليست بالسهلة أبدا. مواقف نحتار فيها بين القانون والأخلاق.. مواقف يصعب علينا جدا اتخاذ القرار بشأنها..
ولكن علينا دائما أن نختار الخيار “الأخلاقي” حتى ولو كان صعبا!
لماذا؟
لأن “الأخلاقيات” ياسادة نجاح على المدى البعيد وسمعة حسنة لك وللمؤسسة التي تنتمي إليها. الأخلاقيات ياسادة نهج يجعلك تنام مرتاح الضمير وهادئ البال. الأخلاقيات ياسادة ثقافة بدونها لن نكون “عظماء”!
قال الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)