المشاهير وأخلاقيات العمل الإعلامي!

قياسي

خلال الأسبوع الماضي حضرت ندوة بعنوان “بناء أخلاقيات الأعمال في الإعلام” ضمن مبادرة #أطلق_مشروعك ومع أنني بصراحة كنت أتوقع بأن محتوى الندوة سيكون أكثر تركيزا على أخلاقيات العمل إلا أنني استمتعت واستفدت كثيرا بما جاء فيها وخصوصا بأنها تطرقت لموضوع نحتاجه جدا في الوقت الحالي الذي تطمح فيه المملكة العربيةالسعودية إلى تحقيق الأفضل على جميع الأصعدة بما في ذلك النزاهة والشفافية وأخلاقيات العمل. الندوة ضمت صديقي الملهم الدكتور عبدالرحمن السلطان المدير التنفيذي للتوعية والإعلام بهيئة الغذاء والدواء، والأستاذ عبدالعزيز الخضيري المهتم بشؤون المستهلك، والأخت أضوى الدخيل المشهورة والمحترمة جدا على شبكات التواصل الإجتماعي.

خلال الندوة أدركت تماما بأن ما كنّا نتحدث عنه قبل سنوات حول أخلاقيات العمل الإعلامي يختلف تماما عن مايجب أن نتحدث عنه الآن حول الموضوع نفسه. في الماضي كان حديثنا عن أخلاقيات العمل الإعلامي موجها للصحفيين والكتاب وموظفي الجهات والإدارات الإعلامية فقط أما اليوم فالحديث موجه للكل. الجميع أصبح قادرًا من خلال جواله أن يمارس دورا إعلاميا “عالميا” في لحظة!

لتعزيز ثقافة أخلاقيات عملنا الإعلامية نحتاج إلى برنامج متكامل يركز على أهمية أخلاقيات العمل في الإعلام ويساعد من يمارس أي دور إعلامي سواء مؤسساتي أو شخصي على اتخاذ القرار الصحيح والسليم بخصوص كل مايقوم بنشره أو طرحه في وسائل الإعلام ومنها السوشيال ميديا. ولابد للبرنامج أن يكون عاما وموجها للجميع.

من وجهة نظري، لكي ينجح برنامج أخلاقيات العمل الإعلامي فإنه يحتاج إلى ثلاث ركائز أساسية يتبناها القوي الأمين. أولا، تطوير ووضع سياسات وأنظمة لأخلاقيات العمل الإعلامي. ثانيا، رفع مستوى الوعي بأهمية أخلاقيات العمل الإعلامي. ثالثا، تشجيع الإعلاميين سواء التابعين للمؤسسات الإعلامية أو المشاهير على سؤال أهل الاختصاص واستشارتهم حول أي أمر قد يبدو أن فيه مايعارض العمل الإعلامي السليم والنزيه.

عندما أتحدث عن وضع السياسات المتعلقة بأخلاقيات العمل الإعلامي فإنني أقصد الأنظمة والضوابط والتوجيهات التي توضح ماهو المتوقع من الممارس للدور الإعلامي وأيضا الإجراءات التأديبية التي يتم اتخاذها بحق الممارس في حال مخالفته للأنظمة. قد يشتمل ذلك على مواثيق لأخلاقيات العمل، سياسات متعلقة باستخدام مواقع التواصل بغرض نشر مواد إعلامية، سياسات حفظ الخصوصية، سياسات خاصة بالدعايات والإعلانات التي يقوم بها المشاهير إلخ.

وعندما أتحدث عن رفع مستوى الوعي بأخلاقيات العمل الإعلامي فإنني أتحدث عن تثقيف الممارسين الإعلاميين سواء المشهورين أو غيرهم بخصوص أهمية أخلاقيات العمل في مانقدم. مثلا، إن التزامنا بأخلاقيات العمل في إعلامنا يساعدنا على النجاح على المدى البعيد ويعطي صورة جميلة عن وطننا للعالم ويحمينا من أي مسؤليات قانونية.

أما عندما أتحدث عن تشجيع الممارسين الإعلاميين على الاستشارة وطرح الأسئلة للجهات المختصة قبل اتخاذ قرار إعلامي معين أو نشر مادة إعلامية ما، فإنني أتحدث عن توفير الجهات المختصة لقنوات تواصل كالهاتف أو الإيميل يستطيع المشهور أو الإعلامي السؤال من خلالها والتواصل مع الجهات المعنية وسؤالهم عن مايشكل عليه قبل اتخاذ أي قرار.

نصيحتي لكل إعلامي سواء كان كاتبا أو موظفا أو مشهورا يريد أن يجعل أخلاقيات العمل أساسا له هي مايلي:

النصيحة الأولى:

كن صادقا: احذر من أن تدفعك مصلحتك الشخصية للكذب أو التضليل. صدقك سيجعلك تعيش النجاح طويلا وليس لفترة قصيرة أو مؤقتة!

النصيحة الثانية:

كن إنسانا: إنسانيتك ستجعلك ترى الإنسان الآخر إنسانا أيضا وليس مجرد “درج” تصعد عليه للوصول إلى هدفك، عندما تكون “إنسانا” فإنك لن تجد نفسك أبدا تستغل إنسانا آخر من أجل أن تروج لمادتك الإعلامية أو تزيد من أرباحك. سترى الإنسان الآخر على أنه إنسان يحتاج إلى خبرتك ويستفيد منك ويشاركك في الرقي بمجتمعك ووطنك.

النصيحة الثالثة:

كن مسؤولا: التزم بالأنظمة والقوانين فيما تقدم واجعل القيم والمبادئ الأخلاقية هي أساس عملك. استشر وأسأل إذا كنت مترددا أو لاتعلم عن الأنظمة ذات العلاقة. ولاتنشر شيئا إلا إذا كنت مقتنعا تماما بأنك مسؤول عنه.

كلي ثقة بأن تطبيقك لهذه النصائح سيساعدك كثيرا في النجاح على المدى البعيد وسيحميك بإذن الله من أي حملة تطالب بتبليك المشاهير!

خمسه ريال!

قياسي

عندما كنت في الصف الأول الابتدائي حصل لي موقف لن أنساه أبدا. أثناء لعبي في الفسحة وجدت “خمسة ريال” واقعة على الأرض في ساحة المدرسة. يبدو بأنها سقطت من أحد الطلاب دون أن يدري. عندما رأيت الخمسة ريالات أخذتها ووضعتها في جيبي وعدت إلى البيت. بحكم طفولتي، لم يكن لدي أي خيار آخر سوى أن آخذ المبلغ وأعتبره هبة من السماء تستحق -بكل براءة – أن أشكر الله عليها. أتذكر بأنني وبمجرد دخولي إلى البيت ذهبت إلى أمي وحكيت لها الموقف بكل فرح وفخر. كنت سعيدا جدا بحصولي على مثل هذا المبلغ الذي كان يعادل مصروف ثلاثة أيام تقريبا حينها وكان كفيلا بأن يشتري لي زعتر وبيتزا وبطاطس زينة ونحول وببسي وعصير أدلع بها نفسي بقية أيام الأسبوع. مازلت أتذكر وجه أمي عندما حدثتها بالموقف. لم يكن وجها راضيا أو سعيدا كما توقعت! قالت لي:”باسم.. هذي فلوس ولد طاحت منه.. هذي حقته.. خذها معك بكرة وعطها الاستاذ عشان يدور صاحب الفلوس ويرجعها له.” لم أكن سعيدا برد أمي وقتها وكنت أتمنى لو أنني أبقيت هذه الثروة معي! كان الموقف -بحق- موقفا صعبا.

اليوم وبعد سنوات.. دخلت إلى السوبر ماركت القريب من بيتي وبعد أن اشتريت بعض الأغراض أعطيت المحاسب بطاقتي الفيزا ليخصم مبلغ مااشتريته منها ولكنني عندما عدت إلى البيت وقرأت رسائل الجوال تفاجأت بأن المبلغ الذي خصم من الفيزا كان ستة ريالات بدلا من ستين ريالا! هذه المرة، كان لدي خيار آخر.. خيار ربتني عليه أمي عندما كنت طفلا.. خيار لم يكن أبدا صعبا.. خيار “الأمانة”!

عدت إلى السوبر ماركت وأريت المحاسب الرسالة وأعطيته بطاقتي فقام بخصم ماتبقى من الحساب وشكرني من أعماق قلبه.

في كلا الموقفين ربما كان موقفي “القانوني” سليما فيما لو قررت الاحتفاظ بالمبلغ. فالخطأ لم يكن خطأي والنظام غالبا لن يتهمني بالسرقة، ولكن هل سيكون موقفي فيما لو احتفظت بالمبلغ سليما “أخلاقيا”؟! أبدا!

وأنا أكتب لكم هذين الموقفين، مرت بخاطري العديد من المواقف سواء في حياتنا العملية أو الاجتماعية التي قد تكون بنفس الصورة؛ سليمة من الناحية القانونية ولكنها عكس ذلك من الناحية الأخلاقية. مواقف ليست بالسهلة أبدا. مواقف نحتار فيها بين القانون والأخلاق.. مواقف يصعب علينا جدا اتخاذ القرار بشأنها..

ولكن علينا دائما أن نختار الخيار “الأخلاقي” حتى ولو كان صعبا!

لماذا؟

لأن “الأخلاقيات” ياسادة نجاح على المدى البعيد وسمعة حسنة لك وللمؤسسة التي تنتمي إليها. الأخلاقيات ياسادة نهج يجعلك تنام مرتاح الضمير وهادئ البال. الأخلاقيات ياسادة ثقافة بدونها لن نكون “عظماء”!

قال الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)

أبو كاشف

قياسي

 

كان أبو كاشف إنسانا تبدو عليه الانطوائية، لاتربطه الكثير من العلاقات مع الناس، يحب المطاعم ويعشق السفر، بسيط إلى أبعد درجة ولاتبدو عليه الكثير من علامات الذكاء أو النباهة. ولكن العجيب أنه وبالرغم من ذلك كان يبدو وكأنه يعرف معظم مايدور في أروقة الشركات من أسرار. كان من حين لآخر يكتب في “قروبات الواتساب” عن معلومات لايعلمها أحد عن بعض الشركات حتى قبل أن يعرف موظفو تلك الشركة عنها. وكان بكل بساطة قادرا على أن يخبرك، مثلا، بأن هناك هيكلة جديدة تخطط لها إحدى الشركات، أو يقول مثلا بأن هناك أخبارا عن استقالة قريبة لأحد المسئولين في شركة أخرى، أو تجده فجأة يتحدث عن نية لاستحواذ شركة على شركة قبل أن يظهر أي خبر رسمي عن ذلك، أو تجده يتكلم عن توقع لنتائج سلبية أو إيجابية لشركة ما، أوصفقات وعقود وميزانيات لم يتم الاعلان عنها بعد.

كانت المعلومات التي  يكشفها أبو كاشف عن بعض الشركات سببا في خسارة بعض من تلك الشركات لعدد من مميزاتها التنافسية الخاصة بها سواء كانت على الصعيد المالي أو على صعيد السمعة . فمثلا في إحدى المرات تحدث أبو كاشف عن إحدى المشاريع التي تعتزم إحدى الشركات القيام بها، فما كان من أحد أصدقائه، والذي كان يعمل مديرا في الشركة المنافسة لتلك الشركة إلا أن أخذ فكرة المشروع وطبقها فورا في شركته مماجعل الشركة الأولى صاحبة المشروع تفقد ميزة الريادة في ذلك المشروع وتفقد جزءا كبيرا من الايرادات المتوقعة. وفي مرة أخرى، كتب أبو كاشف في حسابه على تويتر تغريدة تناقلها مئات المغردين حول ماوصفه بمعلومات مسربة عن أنباء متعلقة بصفقة ضخمة لإحدى الشركات وهو الأمر الذي تسبب في حدوث تذبذب حاد على سهم الشركة ومسائلة الشركة لاحقا من قبل الجهة المختصة وتغريمها نتيجة لفشلها في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تسرب الخبر، كما أن ذلك التسريب كان أحد الأسباب الرئيسة التي تسببت في إلغاء الصفقة فيما بعد. وفي المقابل، تضررت سمعة بعض الشركات من معلومات أبو كاشف، حيث أصبحت بعض الشركات توصف بأنها شركات لاتعرف كيف تحتفظ بمعلوماتها، وأن معلوماتها تتسرب بسهولة أو أنها شركات مخترقة أوفاسدة أو لاتؤدي عملها باحترافية.

كان الجميع يعلم بأن أبو كاشف يملك معلومات وأسرارا تجارية قد تصيب أحيانا وتخطئ أخرى، ولكن لم يكن أحد أبدا يعلم بأن الطريقة التي يحصل بها أبو كاشف على معلوماته ساهم في نجاحها عدد من المنتمين لتلك الشركات من حيث لايعلمون، ساهم فيها موظفون ومديرون ومستشارون غاب عنهم أن المعلومة قوة، وأن “التهاون” في المحافظة عليها قد يؤدي إلى ما لاتحمد عقباه، ساهم فيها أشخاص لم يدركوا بأن “السوالف” عن معلومات داخلية أو أسرار تجارية خاصة بالشركة مع الآخرين سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو مع زملاء من شركات أخرى قد يضر بمصلحة الشركة ككل وبالتالي فإنه مهما بلغت قسوة الإجراء التأديبي الذي يطال الشخص الذي أفشى المعلومة فإنه لن يعوض أبدا ولو جزءا بسيطا من ما فات الشركة من ربح أو نالها من أذى وقد يضطرها إلى ملاحقته قانونيا، ساهم في نجاحها أشخاص لم يدركوا بأن أبو كاشف قد يكون ذلك الشخص الذي يجلس على الطاولة القريبة منهم وقت الغداء وهم يتحدثون عن أسرار العمل، أو ذلك الشخص الذي يتظاهر بقراءة جريدة وهم يستعرضون المشروع القادم في مقاعد درجة رجال الأعمال على متن الطائرة!

ماهي مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة؟

قياسي

سألني أمس أحد الأصدقاء من القطاع الحكومي عن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة التي وافق عليها مجلس الوزراء في السعودية يوم أمس، ووصفها بأنها “تستهدف…تنمية روح المسؤولية لدى الموظف العام، ونشر القيم والمبادئ الأخلاقية المهنية لديه وتعزيزها والالتزام بها، و تعزيز ثقة المواطن بالخدمات التي تقدمها الدولة، ومكافحة الفساد بكل صوره. ]و [تستهدف تنمية ثقافة الموظف العام بأهمية الدور الذي يضطلع به، والأطر الأخلاقية التي يعمل في سياقها، وتعزيز القيم المهنية والأخلاقية في علاقته مع رؤسائه ومرؤوسيه وزملائه ومتلقي الخدمة.” كان سؤال صديقي حول ماذا تعني تلك المدونة وعلى ماذا تحتوي وماهي فائدتها.
إن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة هي عبارة عن وثيقة ومرجع لمساعدة الموظف على اتخاذ قراراته اليومية والعمل بطريقة سليمة لا تخالف الأنظمة والقوانين، كما أنها توضح مبادئ المؤسسة وقيمها التي تسير عليها وتلتزم بها في أدائها لعملها وتربطها بالطريقة التي يتوقع من الموظف أداء عمله بها. ويتعدى الأمر ذلك ليصل إلى التأكيد على أن مخالفة تلك المبادئ أو القيم يؤدي إلى اتخاذ إجراء تأديبي أو انضباطي قد يصل إلى حد الفصل بحق من تثبت عليه المخالفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المدونة تعمل على تنمية حس اتخاذ القرار السليم لدى الموظف والإبلاغ عن المخالفات وعادة ماتوفر له معلومات عن القنوات والمراجع الداخلية التي يمكن له التواصل معها أو الرجوع إليها في حال احتاج الموظف أو المدير إلى استشارة أو اتخاذ قرار أو الإبلاغ عن مخالفة. وأيضا فإن المدونة تحتوي على معايير تهدف إلى تعزيز السلوك الأخلاقي والأمانة لدى المؤسسات وذلك فيما يتعلق بالتعامل مع حالات التعارض في المصالح الشخصية ومصالح العمل أو حتى “يبدو” أنها كذلك، والإفصاح الصادق والدقيق والكامل والواضح عن المعلومات التي ينبغي للمؤسسة الإفصاح عنها للجهات المسؤولة، والالتزام التام بالقوانين والأنظمة الحكومية.
وعادة ما تبدأ مدونات قواعد السلوك الوظيفي برسالة من الإدارة العليا في المؤسسة تؤكد فيها التزامها بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تؤدي بها المؤسسة أعمالها. كما أنها تحتوي على أقسام حول مكافحة الفساد والرشوة، وتعارض المصالح، والالتزام بالأنظمة والقوانين التي تفرضها الحكومة، ومكافحة العنصرية، والتأكيد على المساواة والعدل والاحترام والتنافس الشريف وعدم الانتقام من أي شخص أبلغ عن مخالفة أو فساد أو أبدى مخاوفه الصادقة عنها. كما أن بعض المدونات تحتوي على أمثلة على السلوكيات الخاطئة أو غير السليمة وتورد طريقة التعامل معها، وتضع نموذجا مبسطا يستعرض بعض الخطوات التي يمكن للموظف أو المسئول اتباعها قبل اتخاذ أي قرار أو القيام بأي تصرف يتعلق بالعمل وذلك لكي يضمن بأن ما سيقوم بها لن يكون فيه ما يتعارض مع أخلاقيات العمل ومبادئ النزاهة والأمانة.
إن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفية العامة هي جزء أساسي من أي برنامج مؤسسي لتطوير أخلاقيات العمل ومكافحة الفساد، وقد تحمل عدة مسميات، منها “ميثاق أخلاقيات العمل” و “مدونة السلوكيات الوظيفية” و ” مدونة أخلاقيات المهنة” وغيرها من الأسماء التي قد تختلف ولكن المحتوى والهدف يبقى هو نفسه في غالب الأحوال. كما أن بعض المؤسسات تلزم المنتمين لها جميعا وبدون استثناء بالإقرار بصورة دورية على المدونة، وتقيم ورش عمل وتدريب لزيادة الوعي بها، وتضع سياسات وإجراءات مستقلة حول محتويات المدونة وما يرد فيها.
وأخيرا وليس آخرا وباختصار فإن المدونة تهدف إلى تعزيز الأمانة والنزاهة ورفع حس مكافحة الفساد والممارسات غير السليمة لدى أفراد المؤسسة وتزرع فيهم بأن الغاية لا تبرر الوسيلة وتؤكد على أن المؤسسة لن تتسامح أبدا في اتخاذ الإجراء اللازم بحق المخالف وتؤكد على أن الأهم في أداء العمل ليس أداؤه فقط وإنما أيضا الطريقة السليمة التي يؤدى بها.

 

وللاطلاع على أمثلة لبعض مدونات الجهات والشركات الكبرى المطروحة للعامة يمكنكم زيارة الروابط التالية:

قواعد السلوك الوظيفي – هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)

قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات المهنة – سابك

ميثاق أخلاقيات العمل – بي أيه إي سيستمز

قواعد أخلاقيات العمل – بيكتل

 

تسعدني مشاركاتكم وإضافاتكم، وفي حال وجود أي أسئلة أو استفسارات حول الموضوع يسعدني أكثر تواصلكم معي..

باسم الفصام

متخصص معتمد في أخلاقيات العمل والامتثال

http://www.EthicsBassem.com

 

اللاعب رقم واحد!

قياسي

خلال الأسبوع الماضي دار حوار بيني وبين بعض الزملاء حول مسئولية تعزيز النزاهة وأخلاقيات العمل والالتزام بالأنظمة والقوانين لدى الموظفين في أي شركة، ومن هو “اللاعب رقم واحد” في تعزيز تلك الأخلاقيات وغرسها في نفوس الأفراد والموظفين. كان الحوار فيما إذا كان اللاعب الأهم والمؤثر الأكبر في صناعة بيئة ملتزمة بأخلاقيات العمل هو قسم أخلاقيات العمل أم أنه الإدارة العليا، هل هو قسم الموارد البشرية أم قسم الشئوون القانونية، أم أنه غير ذلك كله؟!

من وجهة نظري، فإن الإدارة العليا وقسم أخلاقيات العمل وإدارة الموارد البشرية وإدارة الشؤون القانونية بل وجميع أفراد المؤسسة صغيرهم وكبيرهم كلهم لاعبون مهمون ومؤثرون في خلق أي بيئة عمل نزيهة وملتزمة بأخلاقيات العمل وممتثلة للقوانين والأنظمة، ولكن يبقى اللاعب رقم واحد دائما في تعزيز أخلاقيات العمل وصناعة بيئة لاتسمح أبدا بما يخالف الأنظمة والقوانين أو بما قد يضر سمعة الشركة هو “المدير”!.

إن “المدير” الذي يضرب مثالا حيا لموظفيه في تعامله بطريقة نزيهة وصحيحة مع أي مشكلة تواجهه أو قرار يتخذه هو مدير يغرس مبدأ أخلاقيات العمل بكل فاعلية في كل الموظفين حوله. إن المدير الذي يشجع موظفيه على الإبلاغ عن أي مخالفات للأنظمة والقوانين في أداء العمل هو مدير يغرس روح الأمانة والنزاهة والالتزام بأخلاقيات العمل في أفراد فريقه. إن المدير الذي لايرضى أبدا بأي ضرر أو ردود فعل انتقامية قد تلحق بأحد أفراد فريقه نتيجة إبلاغه عن أي مخالفة هو مدير لايساوم أبدا على توفير البيئة الآمنة التي يستطيع الموظفون فيها الحديث عن أي مخالفات يرونها عبر القنوات الرسمية المتاحة. إن المدير الذي يوافي موظفيه بأي قوانين أو أنظمة جديدة ويراجعها معهم بشكل دوري هو مدير لايهمه فقط أن يؤدى العمل، ولكن يهمه أيضا أن يؤدى العمل بالطريقة التي لاتتعارض مع أخلاقيات العمل أو تخالف أي نظام وقانون يسري على شركته. إن المدير الذي يقوم بذلك كله هو مدير يعنيه أولا سمعة شركته ويعلم تماما بأن النزاهة والأمانة والالتزام بأخلاقيات العمل هي أحد الأسباب الرئيسة لنجاح شركته على المدى البعيد وكسب ثقة عملائها وبالتالي فإنه يحاول بكل ما آوتي من قوة أن يكون هو وفريقه، بجانب الفرق الأخرى، لبنة بناء في كيان شركته لامعول هدم ينخر في جسدها.

إن “المدير” بالصلاحيات التي يتمتع بها، والقدوة التي يضربها للآخرين في التزامه بأخلاقيات العمل يتفوق على أي قسم أو إدارة أخرى في تأثيره على تعزيز البيئة النزيهة. إن المدير هو “اللاعب رقم واحد” في صناعة أي بيئة تتخذ من أخلاقيات العمل شعارا لها. هذه هي وجهة نظري، أخبرني عن وجهة نظرك أنت؟!

أبو معطي!

قياسي

قبل ست سنوات التحق أحمد بإحدى الشركات. عندما بدأ عمله كان مجرد موظف صغير في أحد الأقسام. كانت مهامه مقتصرة فقط على بعض الأعمال البسيطة التي لاتتطلب أبدا اتخاذ قرار أو المشاركة في صناعته. أثناء سنته الأولى اكتشف أحمد بأن إحدى الشركات التي تتعامل معها شركته هي ملك لزوج خالته “أبو معطي”. لم يعر أحمد ذلك الأمر اهتماما. ومع أنه كان قد سمع عن الإفصاح عن تعارض المصالح في يومه الأول مع الشركة  إلا أنه كان يرى عدم وجود أي مصلحة له أبدا في تعاملات “أبو معطي” مع شركته خصوصا وأن علاقته بزوج خالته كانت سطحية جدا ولم يسبق له أن التقى به إلا مرة أو مرتين خلال العشر السنوات الأخيرة. بعد فترة، وفي أحد الاجتماعات العائلية، التقى أحمد بزوج خالته وأخبره عن عمله في تلك الشركة وهو الأمر الذي أفرح “أبو معطي” كثيرا حيث وجدها فرصة للحديث مع أحمد عن أنظمة  الشركة وطريقتها في التعامل مع المقاولين والموردين.

مع مرور الوقت، بدأت العلاقة تقوى بين أحمد و”أبو معطي”، وفي نفس الوقت كان أحمد يتطور ويترقى إلى مراتب أعلى في قسمه. فبعد أن كان متدربا أصبح مديرا وهو الأمر الذي جعله يفكر في تقديم الخدمة – بكل حسن نية –  لزوج خالته. وفعلا صار أحمد، كلما سنحت له الفرصة، يقوم بمحاولة إقناع زملائه في الشركة بأن شركة “أبو معطي” هي المورد الأفضل، طبعا دون أن يبوح لأحد عن علاقة القرابة التي كانت تربطه بأبو معطي مخافة أن يظن أحد بأن أحمد يحصل من قريبه على مقابل. في الحقيقة، لم يكن أحمد حينها يرجو أي مقابل من زوج خالته. كان يكتفي بكلمات الشكر والتقدير والثناء منه، كما كان يفرح كثيرا وهو يرى الدعوات تنهال عليه من خالته.

بعد خمس سنوات من عمله مع الشركة، ترقى أحمد ليكون مسؤولا كبيرا مخولا باتخاذ القرار وصناعته. كما أنه أصبح الآن عضوا في العديد من لجان تقييم المشاريع التي تمتلك القرار النهائي في ترسية مشاريع الشركة. ومع أن شركة “أبو معطي” لم تكن الأفضل من بين الموردين سعرا وجودة إلا أن أحمد أصبح الآن قادرا – بحكم منصبه وتأثيره – على ترشيح شركة زوج خالته للعمل مع الشركة في معظم الأوقات، خصوصا وأن “أبو معطي” أصبح يحاول رد الجميل لأحمد من حين لآخر. فمرة قدم له ولزوجته تذاكر سفر على الدرجة الأولى إلى ماليزيا، ومرة قام باستئجار شقة لأحمد وعائلته لمدة شهر كامل في أحد الفنادق المطلة على بحيرة الصنوبر في أوزونغول في تركيا، ومرة تكفل بجميع تكاليف الحفلة التي أقامها أحمد لابنه بمناسبة نجاحه في المدرسة. كل ذلك كان يحدث ومازال أحمد صامتا، لم يفصح لأحد عن ذلك.

في السنة السادسة، بدأت إدارة الشركة تلحظ بأن مستوى الخدمة المقدمة من الموردين كان ينخفض تدريجيا وخصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الجودة، وهو ماستدعى إدارة الشركة إلى مراجعة الأسباب. وكانت المفاجأة، وجود شبهة فساد ورشاوى وتقديم هدايا فاخرة تستدعي التحقيق العاجل.

لم يكن أحمد يظن بأن محاولاته في مساعدة قريبه “أبو معطي” والحصول على تذاكر السفر ولعب دور “الواسطة” وغيرها سيصل إلى اتهامه بالفساد والرشوة ومن ثم فصله لاحقا. لم يكن يدرك أبدا أن السبب الرئيس في الكارثة التي لحقت به هو فشله في إدارة مصالحه المتعارضة منذ البداية. كان بإمكان أحمد أن يتجنب تلك الكارثة التي أدت إلى فصله وشوهت سمعته وسمعة شركته لو أنه أفصح عن وجود تعارض في مصالحه منذ سنته الأولى. لو أنه قام بذلك لاستطاعت الشركة وإدارتها أن يديروا تلك المصالح المتعارضة بالطريقة الصحيحة وأن يجنبوا أحمد والشركة تلك العواقب الوخيمة التي لحقت بهما جراء تلك التهم.

إن التعارض في المصالح كالبوابة التي تقود إلى الفساد، ولتجنب دخول تلك البوابة على الموظف أن يحاول في عمله تجنب أي تعارض بين مصلحته الشخصية ومصلحة العمل. ليس ذلك فقط، بل وأن تكون مصلحة العمل دائما فوق مصلحته الشخصية، والأهم من ذلك كله أن يفصح للإدارة عن وجود أي حالة تعارض مباشرة وفي الوقت المناسب. فإن لم يقم الموظف بتلك الأمور الثلاثة، فإن الموظف قد يجد نفسه فجأة وبدون مقدمات قد دخل البوابة، “بوابة تعارض المصالح”، ليعلق في أوحال أرض تسمى “أرض الفساد”.

بقي أن أخبركم بأن “أبو معطي” كان قد اعتاد على التكفل بأضاحي العيد الخاصة بأحمد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أنه – لسبب أو لآخر – قد توقف عن هذه العادة في هذه السنة!