أبو معطي!

قياسي

قبل ست سنوات التحق أحمد بإحدى الشركات. عندما بدأ عمله كان مجرد موظف صغير في أحد الأقسام. كانت مهامه مقتصرة فقط على بعض الأعمال البسيطة التي لاتتطلب أبدا اتخاذ قرار أو المشاركة في صناعته. أثناء سنته الأولى اكتشف أحمد بأن إحدى الشركات التي تتعامل معها شركته هي ملك لزوج خالته “أبو معطي”. لم يعر أحمد ذلك الأمر اهتماما. ومع أنه كان قد سمع عن الإفصاح عن تعارض المصالح في يومه الأول مع الشركة  إلا أنه كان يرى عدم وجود أي مصلحة له أبدا في تعاملات “أبو معطي” مع شركته خصوصا وأن علاقته بزوج خالته كانت سطحية جدا ولم يسبق له أن التقى به إلا مرة أو مرتين خلال العشر السنوات الأخيرة. بعد فترة، وفي أحد الاجتماعات العائلية، التقى أحمد بزوج خالته وأخبره عن عمله في تلك الشركة وهو الأمر الذي أفرح “أبو معطي” كثيرا حيث وجدها فرصة للحديث مع أحمد عن أنظمة  الشركة وطريقتها في التعامل مع المقاولين والموردين.

مع مرور الوقت، بدأت العلاقة تقوى بين أحمد و”أبو معطي”، وفي نفس الوقت كان أحمد يتطور ويترقى إلى مراتب أعلى في قسمه. فبعد أن كان متدربا أصبح مديرا وهو الأمر الذي جعله يفكر في تقديم الخدمة – بكل حسن نية –  لزوج خالته. وفعلا صار أحمد، كلما سنحت له الفرصة، يقوم بمحاولة إقناع زملائه في الشركة بأن شركة “أبو معطي” هي المورد الأفضل، طبعا دون أن يبوح لأحد عن علاقة القرابة التي كانت تربطه بأبو معطي مخافة أن يظن أحد بأن أحمد يحصل من قريبه على مقابل. في الحقيقة، لم يكن أحمد حينها يرجو أي مقابل من زوج خالته. كان يكتفي بكلمات الشكر والتقدير والثناء منه، كما كان يفرح كثيرا وهو يرى الدعوات تنهال عليه من خالته.

بعد خمس سنوات من عمله مع الشركة، ترقى أحمد ليكون مسؤولا كبيرا مخولا باتخاذ القرار وصناعته. كما أنه أصبح الآن عضوا في العديد من لجان تقييم المشاريع التي تمتلك القرار النهائي في ترسية مشاريع الشركة. ومع أن شركة “أبو معطي” لم تكن الأفضل من بين الموردين سعرا وجودة إلا أن أحمد أصبح الآن قادرا – بحكم منصبه وتأثيره – على ترشيح شركة زوج خالته للعمل مع الشركة في معظم الأوقات، خصوصا وأن “أبو معطي” أصبح يحاول رد الجميل لأحمد من حين لآخر. فمرة قدم له ولزوجته تذاكر سفر على الدرجة الأولى إلى ماليزيا، ومرة قام باستئجار شقة لأحمد وعائلته لمدة شهر كامل في أحد الفنادق المطلة على بحيرة الصنوبر في أوزونغول في تركيا، ومرة تكفل بجميع تكاليف الحفلة التي أقامها أحمد لابنه بمناسبة نجاحه في المدرسة. كل ذلك كان يحدث ومازال أحمد صامتا، لم يفصح لأحد عن ذلك.

في السنة السادسة، بدأت إدارة الشركة تلحظ بأن مستوى الخدمة المقدمة من الموردين كان ينخفض تدريجيا وخصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الجودة، وهو ماستدعى إدارة الشركة إلى مراجعة الأسباب. وكانت المفاجأة، وجود شبهة فساد ورشاوى وتقديم هدايا فاخرة تستدعي التحقيق العاجل.

لم يكن أحمد يظن بأن محاولاته في مساعدة قريبه “أبو معطي” والحصول على تذاكر السفر ولعب دور “الواسطة” وغيرها سيصل إلى اتهامه بالفساد والرشوة ومن ثم فصله لاحقا. لم يكن يدرك أبدا أن السبب الرئيس في الكارثة التي لحقت به هو فشله في إدارة مصالحه المتعارضة منذ البداية. كان بإمكان أحمد أن يتجنب تلك الكارثة التي أدت إلى فصله وشوهت سمعته وسمعة شركته لو أنه أفصح عن وجود تعارض في مصالحه منذ سنته الأولى. لو أنه قام بذلك لاستطاعت الشركة وإدارتها أن يديروا تلك المصالح المتعارضة بالطريقة الصحيحة وأن يجنبوا أحمد والشركة تلك العواقب الوخيمة التي لحقت بهما جراء تلك التهم.

إن التعارض في المصالح كالبوابة التي تقود إلى الفساد، ولتجنب دخول تلك البوابة على الموظف أن يحاول في عمله تجنب أي تعارض بين مصلحته الشخصية ومصلحة العمل. ليس ذلك فقط، بل وأن تكون مصلحة العمل دائما فوق مصلحته الشخصية، والأهم من ذلك كله أن يفصح للإدارة عن وجود أي حالة تعارض مباشرة وفي الوقت المناسب. فإن لم يقم الموظف بتلك الأمور الثلاثة، فإن الموظف قد يجد نفسه فجأة وبدون مقدمات قد دخل البوابة، “بوابة تعارض المصالح”، ليعلق في أوحال أرض تسمى “أرض الفساد”.

بقي أن أخبركم بأن “أبو معطي” كان قد اعتاد على التكفل بأضاحي العيد الخاصة بأحمد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أنه – لسبب أو لآخر – قد توقف عن هذه العادة في هذه السنة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *