قبل أيام وردتني رسالة على بريدي الإلكتروني من صديقي الأوروبي يهنئني فيها بدخول شهر رمضان ويدعوني إلى قراءة أحد المقالات الجديدة التي تتحدث عن الركائز الأساسية لأخلاقيات العمل. كان من ضمن تلك الركائز التي وردت في المقال الصدق، الأمانة، النزاهة، مكافحة الاحتيال، مكافحة الرشوة وغير ذلك من الركائز التي تعتبر مهمة جدا لأي شركة مهتمة بأخلاقيات العمل. بعد أن انتهيت من قراءة المقال قمت بالرد على صديقي أشكره على تهنئتي بشهر رمضان وأخبره بأنني استمتعت جدا بالمقال الذي أرسله.
هذا المقال جعلني أتأمل في كون هذه الركائز هي ركائز يفترض على الإنسان المسلم أن يتحلى بها حتى ولو لم يلتحق بدورة في أخلاقيات العمل أو يقرأ مقالا عن عواقب الرشوة والاحتيال. هي ركائز أخلاقية من المفترض أن تكون لدى الإنسان المسلم بالفطرة! حينها تذكرت بعض الآيات التي تحثنا على التحلي بهذه بالأخلاق أثناء تعاملاتنا كقوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” الذي ينهانا عن الاحتيال، وقوله تعالى: ” إن الله يأمركم بالعدل” الذي يأمرنا بالعدل والمساواة، وقوله تعالى” ويل للمطففين” الذي ينهانا عن الغش. و بعض الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم:” من غشنا، فليس منا” وقوله:”عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة” و قوله: “لعن الله الراشي والمرتشي”.
إن المسلم عندما يكون صادقا ونزيها في تعاملاته مع الموردين والزبائن فضلا عن زملائه الموظفين وشركته التي يعمل لديها فإنه بذلك ليس متقيدا بسياسات الشركة وميثاق أخلاقها فقط وإنما أيضا هو سائر على خطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق. وعندما يتجنب أي مبلغ أو هدية قد تثير التساؤلات حول نزاهته وأمانته، فإنه ليس بذلك ملتزما فقط بقانون مكافحة الرشوة بل هو أيضا متبع لأوامر نبينا صلى الله عليه وسلم الذي حذرنا من الرشوة. وعندما يتعامل بعدل مع زملائه في الشركة، أو مع الموردين، أو الزبائن فإنه ليس يريد بذلك فقط أن “يمشي على النظام” بل وأيضا فإنه يقوم بذلك لأن الله أمرنا بالعدل. وعندما لايكذب في تعامله أو يزيف أو يزور أو يحتال أو يختلس فإنه لايقوم بذلك خوفا من عقاب أو فصل فقط وإنما لايقوم به لأنه يعلم بأن “من غشنا فليس منا”.
كما أن المسلم عندما يلتزم في عمله بهذه الصفات التي حث عليها دينه فإنه يقدم مثالا جميلا لكل المتعاملين معه سواء من موظفين، أو موردين، أوشركات أو غير ذلك، مثالا يجعله هو، وشركته التي ينتمي إليها، أهلا للثقة والاحترام.
في المساء، وأثناء تناول أول وجبة إفطار رمضانية مع العائلة، وجدتها فرصة لمشاركتهم مادار بخلدي حول تأكيد دين الإسلام على هذه الركائز والقيم الأخلاقية. بعد ان انتهيت من حديثي سألني ابني محمد ذو الست سنوات بكل براءة : “بابا وش يعني رشوة؟” ابتسمت في وجهه وقلت له:”لما تكبر تعرف يامحمد.. الله يكفيك شرها ويبعدك عنها. قل آمين”. قال محمد: “آمين يابابا”. وأكملنا الإفطار.