بالإعادة البطيئة!

ملاحظة

أثناء تصفحي موقع اليوتيوب الأسبوع الماضي، شاهدث مقطعا لأحد الأهداف الطريفة في عالم كرة القدم. كان الطريف والمضحك في الهدف كما بدا في عنوان المقطع، أن اللاعب سجل الهدف بيده ولكنه، وبعد احتساب الحكم للهدف، سجد لله شكرا وكأنه لم يقم بأي مخالفة! ذلك المقطع قادني، كما هي عادة اليوتيوب دائما، إلى بعض المقاطع التي تتحدث عن الأخلاقيات في كرة القدم. كانت بعض تلك المقاطع تعرض أمثلة للعب النظيف أو العادل (fair play) بينما كانت هناك مقاطع ترصد حالات للخداع والغش والتحايل على الحكام. أثناء مشاهدتي لتلك المقاطع، لفت انتباهي حجم التوثيق ودقته الذي تستطيع كاميرات “الإعادة البطيئة” أن تنقله للمشاهد لتترك له الحكم على أخلاقيات اللاعب والتزامه باللعب النظيف.

أثناء إبحاري بين المقاطع، شاهدت مقطعا أظهرت الإعادة البطيئة فيه أن ميروسلاف كلوزه سجل هدفا بيده في إحدى المباريات، إلا أن الإعادة أظهرت أيضا بأن كلوزه اعترف للحكم مباشرة بأن الهدف كان باليد ليقوم الحكم بإلغائه، ولينال كلوزه في المقابل احترام الجميع مشجعين وخصوما ويتم منحه جائزة اللعب النظيف نتيجة سلوكه. وفي المقابل، شاهدت مقطعا آخر يظهر اللاعب الفرنسي تيري هنري في مباراة ايرلندا الشهيرة وهو يلمس الكرة بيده مرتين قبل أن يمرر الكرة لزميله ليسجل هدفا ويحرم ايرلندا من التأهل لكأس العالم، وهو الموقف الذي جعل صحيفة ديلي تيلقراف الاسترالية تضع تيري على رأس قائمة الغشاشين الرياضيين. في مقطع آخر تظهر الإعادة أن ديفيد لويس لاعب تشيلسي السابق كان يقوم بالتمثيل على الحكم ليتسبب في طرد أحد اللاعبين، كما تظهر لقطة أخرى بأن اللاعب نفسه، ولكن هذه المرة مع باريس سان جيرمان وضد فريقه السابق تشيلسي، كان يقوم بمسح الرذاذ الصابوني المستخدم لتحديد مكان الخطأ ووضعه في مكان آخر للتحايل على الحكم وتغيير موقع الكرة. وعلى العكس، آظهرت إحدى اللقطات لاعب فريدر بريمان، آرون هانت، وهو يرفض الحصول على ضربة جزاء كان قد احتسبها الحكم لصالحه بعد اعترافه للحكم بأنه قام بالتمثيل للحصول عليها.

مابين ذلك اللاعب أو ذاك أمثلة كثيرة تعلمنا بأن الأخلاقيات والصدق تجبران الجمهور على احترام اللاعب، وأن اللاعب حتى وإن نجح في احتياله على الحكم، أو استطاع تجاوز القانون، أو أقنع نفسه وحاول إقناع غيره بأن الخطأ ليس خطأه فإن “الإعادة البطيئة” ستبقيه في نظر الكثيرين مذنبا. تماما كما حدث لتيري هنري الذي صرح بعد حادثة مباراة ايرلندا بأن الخطأ كان خطأ الحكم الذي لم يحتسب المخالفة، ومع أن تيري طالب لاحقا بإعادة المباراة كنوع من الندم، إلا أن ذلك لم يمنعه من تلقي انتقادات كثيرة بسبب الحادثة وجعل بعض شركات الإعلان تتراجع عن ارتباطها به نتيجة فعلته. في المقابل، تعلمنا تلك الأمثلة بأن جمال اللعب ومتعته في عدله ونظافته، بأن فرحة تحقيق الهدف لاتكتمل أبدا إذا لم يكن الهدف شريفا وعادلا. فآرون هنت، ومع أن فريقه كان يصارع للابتعاد عن شبح الهبوط رفض الحصول على ركلة الجزاء لأنه – وكما قال – لم يكن يرغب أبدا أن يكسب المباراة بالغش، ولذلك سمي بعدها بالبطل.

لنتخيل بأن كاميرات الإعادة البطيئة، تماما كتلك الموجودة في الملعب، موجودة في مكاتب موظفي الشركات، مدرائها ومجالس إدارتها، في غرف اجتماعاتهم، ترصد أفعالهم، قراراتهم، تعاملهم مع زملائهم وعملائهم ومنافسيهم فكم ياترى من المقاطع التي تتحدث عن “العمل النظيف” سنرى، كم من المقاطع سيفخر بها أصحابها، وكم من المقاطع سيلاحق أصحابها العار طوال الدهر، وكم من المقاطع ستكون طريفة جدا كذلك المقطع الذي سجل فيه اللاعب هدفا “بيده” ثم خر ساجدا لله!

منيرة وحصة.. حب لايموت!

قياسي

منيرة وحصة.. صديقتان حميمتان جمعهما الحب وغلف علاقتهما صدق منقطع النظير منذ الصغر. منذ أن كانتا طفلتين وهما لايهنأ لهما وقت إلا بقضائه معا، ولا يروق لهما حديث إلا إذا كانت إحداهما تتكلم والأخرى -بكل حماس- تستمع. عندما تنظر إليهما تشعر في داخلك بأن كلاهما لاتكتمل إلا بالأخرى، وعندما تستمع إلى أحاديثهما على انفراد لابد وأن تجد في حديث الواحدة منهن إشارة لطيفة مباشرة أو غير مباشرة إلى صديقتها الأخرى. كبرا ففرقتهما الدنيا. لم تعد ألعاب “الصغار” تجمعهما كثيرا كما كانت فمسئوليات “الكبار” سرقت منهما – بكل جرأة – ذلك الوقت الذي كانا يقضيانه سويا، وسلبت منهما -بكل قسوة- تلك اللحظات الجميلة التي كانت تزيد حياتهما الجميلة جمالا. ومع مرور السنوات، بدأ عنكبوت “البعد” ينسج شباكه بينهما ويحاول بكل خبث أن يقطع بعضا من حبال الوصل التي تعبتا معا على مدار السنين في نسجها..
الاسبوع الماضي قررت أن أجمع تلك الانسانتين معا. كان هدفي أن أمنحهما فرصة أخرى لاسترجاع ماضي الأيام وحلو الذكريات. كان هدفي أن أملأ قلوبهما الطاهرة بشيء من دماء الماضي الجميل ورائع الأيام الخالية. قدمت لهما دعوة للحضور إلى منزلي وتناول طعام العشاء معا بحضور بعض الأقارب، وكنت في قمة السعادة وأنا أراهما يلبيان دعوتي بكل فرح وشوق.
وفي مجلسي، في تلك الليلة الجميلة، كنت أجلس بين تلك الانسانتين الجميلتين..
الانسانتين اللتان رزقهما الله من أبناء الأحفاد عددا كثيرا.. ومن الأحفاد عددا أكثر وأكثر..
بين تلك الانسانتين اللتان كنت أراهما وهما يتبادلان بكل فرح ذكرياتهما الجميلة أيام الصغر.
كنت أجلس بين “منيرة” جدتي لأمي، و”حصة” أخت جدتي لأبي وأنا أحمد الله أن منحني شرف جمعهما تحت سقف واحد، وشرف الاستماع إلى دعوات صادقة وجميلة يوجهانها لي ولعائلتي الصغيرة بالتوفيق والسعادة طول العمر!

كيف تنتقم من عميل اشتكى عليك؟!

قياسي

اليوم كنت في مراجعة بنكي المفضل لاستخراج بطاقة “فيزا” بديلة وفورية بعد أن ابتلع الصراف بطاقتي الأصلية. دخلت صالة استصدار البطاقات البديلة الفورية وأخذت رقمي ٦٠٦. كانت الصالة ممتلئة بعدد كبير من المراجعين يخدمهم موظفان وآلة طباعة بطاقات واحدة. كان الساعة قرابة الواحدة ظهرا والرقم المعروض على الشاشة ٥٥١. أخذت مكاني وجلست أنتظر دوري. كانت الخدمة بطيئة جدا فعلى سبيل المثال بعد مرور ساعة كاملة أصبح الرقم المعروض على الشاشة ٥٥٦. بصراحة كنت أعرف تماما ظروف اليوم الأخير من العمل وزحمته التي غالبا ماتنتج عن تأجيلنا لأعمالنا لآخر لحظة، ولكن ماحيلتي وقد حضرت للبنك قبل ذلك اليوم وأفادني الموظف بأن الطابعة متعطلة وعلي مراجعة البنك في يوم آخر!
المهم قررت الاستسلام والانتظار طمعا في الحصول على بطاقتي البديلة التي أحتاجها ضروريا أثناء سفري للخارج لقضاء إجازة العيد. وبينما كانت جحافل العملاء تعاني الانتظار وتحاول بشتى الطرق الحصول على خدمات البنك منهم الجالس على كرسيه ومنهم الجالس على الأرض ومنهم الواقف كنت أنا اتصفح تويتر “صديقي الصدوق” وأتتنقل بين المغردين في محاولة مني لقتل الطفش وطول الانتظار. أثناء تصفحي وقعت على الحساب الرسمي الإلكتروني لخدمة العملاء لبنكي المفضل فقررت أن أكون إيجابيا وأن أنقل الصورة لإدارة البنك. كتبت تغريدة في منشن خدمة العملاء الإلكتروني وأرفقتها بصورة من موقع الحدث ثم واصلت التصفح. بعدها بنصف ساعة تقريبا دخل مدير الفرع ينادي على اسمي. بصراحة كنت أتوقع بأن إدارة الفرع بحكم معرفتي بمعايير البنك العالية وسمعته العالمية قد علمت بأمر التغريدة وأنها ستشكرني على ملاحظتي وتعتذر لي عن التأخير الحاصل ولكن المفاجأة كانت أن مدير الفرع بعد أن تأكد من أنني صاحب التغريدة بدأ في محاولة التبرير لذلك التأخير وإلقاء اللوم بطريقة غير مباشرة على العملاء الذين لم يراجعوا البنك إلا في آخر يوم. كان حديث مدير الفرع معي، وأمام الكل، حديثا أثار استياء المراجعين الذين لم يتوقعوا أبدا أن يدافع المدير عن التأخير بقدر ماتوقعوا أن يبحث المدير عن حلول للمشكلة وتعجيل عملية صرف البطاقات بطريقة أو أخرى. بعد أن خرج المدير من الصالة شكرني جدا من كان بجانبي خصوصا وأن اثنين من الموظفين بعد التغريدة دخلوا الصالة لمساعدة زملائهم والأرقام بدأت تصبح في تناقصها أسرع من السابق. لا أخفيكم سرا بأنني شعرت بإيجابيتي في التعامل مع مشكلة التأخير بإيصالها إلى مسئولي البنك عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي الذين تعاملوا بسرعة وفاعلية مع التغريدة.
وبعد أن وصل الرقم ٦٠٦ أخيرا وناداني الموظف قمت بتعبئة بياناتي وأنا أحمد الله بأنني أخيرا وبعد قرابة الأربع ساعات من الانتظار سأحصل على بطاقتي وأستخدمها في سفري بكل راحة وطمأنينة بال.
بعد ذلك واصل موظفو البنك النداء على الأرقام إلى أن وصلوا إلى آخر رقم، الرقم ٦٢٥ يزيد أو ينقص قليلا. تمت خدمة جميع العملاء أصحاب الأرقام التي قبلي والتي بعدي وصرفت لهم بطاقاتهم البديلة وخرجوا سعداء من البنك ولم يبق من المراجعين سوى عميل واحد فقط، العميل الذي حينما حان دوره أفاده الموظف بأن حبر طابعة البطاقات قد انتهى وأن الوعد بعد العيد، العميل المخلص الذي أرسل التغريدة “باسم الفصام”!

ذكرياتي مع عماير الضباط!

قياسي

قبل أربع وثلاثين سنة من اليوم بالضبط كان ميلادي ولذلك قررت أن أعيش هذا اليوم بطريقة مختلفة وبطعم آخر، بطريقة تجعلني استرجع ولو جزءاً بسيطا من ذكرياتي خلال سنوات عمري الماضية، وبطعم متميز يوازي تميز هذا اليوم بالنسبة لدي.
كنت محظوظا جدا أن صادف هذا اليوم تواجد واحد من أعز أصدقاء طفولتي. عبدالله الحكمي. حيث كان أبوعبدالوهاب متواجدا في الرياض لمدة يومين بعد غياب عنها وعني استمر لقرابة الثلاث سنوات. كما صادف هذا اليوم أن كان يوما يزينه رذاذ المطر الذي بدأ وكأنه يشاركني فرحتي بيوم ميلادي، وغائما وكأنه يغطي عني بكل حنان أشعة الشمس.
استقليت سيارتي أنا وعبدالله فجر ذلك اليوم متجهين إلى المكان الذي جمعنا صغارا “عماير الضباط”.
وصلنا إلى هناك قبيل صلاة الفجر. دخلنا المسجد الذي كم صلينا فيه مرارا وتكرارا سنوات وسنوات. دخلنا من نفس الباب ولكن الأعمار لم تكن نفسها الأعمار التي زادت عشرين سنة!
بعد الصلاة تأملت وجوه المصلين، لم أميز منهم أحدا، جيل ذهب وجاء بعده جيل، جيل لايشبه سابقه في أي شيء!
بعد الصلاة خرجنا من المسجد واتجهنا لإلقاء نظرة من بعيد على شققنا، على مواقف سياراتنا، على المصعد الذي كنا نراه كبيرا وأصبح الآن من أصغر مايكون، على المراجيح، على الدرج والصالة ومكان القمامة -أجلكم الله-. كنا نمر على كل هذه الذكريات ولانتخيل أبدا بأننا في تلك الأيام كنا نعتقد بأننا سنزور هذا المكان بعد كل هذه السنوات لنتذكره ونعيشه كمجرد أطلال وذكريات.
مر الوقت من أسرع مايكون. كنا نشعر بأن الأوقات كلها لن تسعنا للاستمتاع باستعادة كل الذكريات. كنا نود أن نقضي اليوم كله هناك تماما كما كنا نقضيه في السابق نلهو ونلعب بدون أن تكون المسئوليات في انتظارنا أو الارتباطات تملأ يومنا.
أنهينا الجولة ا”لذكرياتية”. ركبنا السيارة وخرجنا من بوابة “العماير”. كنا غير مصدقين أبدا بأننا عشنا للتو ذكريات ولحظات وأماكن كنا نعيشها سويا قبل عشرين سنة!
قبل أن ينزل عبدالله من سيارتي التفت إلي وقال:
“ابو محمد.. تتوقع راح نرجع لهنا بعد عشرين سنة وتكون جولتنا هذي من الذكريات؟!”
قلت له: “الله يحيينا حياة طيبة ياعبدالله.. بس ضروري إذا جينا هنا بعد عشرين سنة يكون معنا أحفاد مو أولاد وبس!”
وضحكنا!

سكارى تحت الأعماق..

قياسي

بينما كنت اليوم أتحدث أنا وأحد أصدقائي عن الرياضات قادتنا السواليف إلى الحديث عن رياضة الغوص. ومن ضمن الأشياء التي تحدث لي عنها صديقي “الغواص” شيء عجيب غريب يسمى بـ”سكرة الأعماق”. وهي تقريبا عبارة عن حالة هلوسة أو فقدان جزئي للوعي تشبه حالة السكر أو الثمالة تصيب الغواص أثناء الغوص. يقول صديقي الخبير بأنه شاهد العديد من “سكارى” الأعماق أثناء رحلات غوصه. يقول -والحديث لصديقي- بأنه رأى أحدهم وقد خلع قناع الأكسجين ويحاول أن يخلع بقية ملابس الغوص لكي يسجد “سجدة شكر” بعد ان اصطاد سمكة! ويعرف آخر لم يصدق عينيه وهو يرى عقارب عداد الساعة تتحرك فجأة بسرعة غريبة وجنونية. هذا فضلا عن بعض الحركات المضحكة والغريبة وأحيانا “المحرجة” التي يقوم بها بعض الغواصين نتيجة للمرور بهذه الحالة فيصبحون تماما كما لو كانوا “سكارى تحت الأعماق”.

قبل أن ننتهي من الحديث سألته:
إلا على فكرة ماقد انت مريت بهاالحالة؟ قللي وش صار لك ووش سويت؟
ابتسم ابتسامة خجل وإحراج ثم قال:
باسم.. تكفى طلبتك طلبتك لاتحرجني!

قصة قصيرة: الهلالي الصغير!

قياسي

لم أكن يوما هلاليا.. ولم يسبق لي أبدا أن ارتديت “فنيلة” يجتمع فيها الأبيض والأزرق، فمنذ طفولتي وأنا نصراوي صميم عاشق للأصفر، أحب “ماجد عبدالله”، وأحفظ عن ظهر قلب عبارات “عبدالرحمن بن سعود”، وأسهر إلى منتصف الليل لكي أشاهد إعادة أهداف النصر على نشرة الأخبار. في السنوات “الكثر” الأخيرة تدهور حال النصر ولم يعد كما كان. فلم يعد ذلك الفريق المرعب الذي تحسب له الفرق ألف حساب، ولم تعد مباريات النصر ونتائجه مصدر فخر وقوة “للنصراوي” كما كانت في السابق. بل على العكس أصبحت مبارياته محل تندر ونتائجه مصدر حزن وكآبة وشقاء لكل عاشق أصفر. ففي الوقت الذي تحقق فيه النوادي الأخرى بطولة وبطولتين وثلاث خلال السنة الواحدة، أرى السنوات تمر وفريقي غير قادر على تحقيق حتى بطولة واحدة. لا أخفيكم سرا بأنني تمنيت ذات لحظة ضعف أن تعود بي الدنيا صغيرا فأغرس حب الهلال “أستغفر الله” في قلبي منذ البداية، أو أن أكون قادرا على تغيير لوني المفضل بكل بسهولة إلى الأزرق.. كنت أريد أن أفرح بالبطولات كما يفرح الهلاليون.. وأن أحتفل بالكؤوس كما يحتفل عشاق الأزرق.. ولكن هيهات.. فالوقت قد فات.. وشيئان من الصعب جدا جدا جدا أن يتغيرا في حياة المرء إذا ماتربى عليهما منذ الصغر.. الديانة.. والنادي المفضل!!

في مطار دبي الدولي التقيت صدفة باللاعب الهلالي المحترف “ويليهامسون”، وكان حينها ابني محمد معي، وبعد أن صافحت المحترف السويدي وعرفته بنفسي تعمدت أن أسأل محمد عن فريقه المفضل أمامه فقلت له:” وش تشجع ياحموودي؟” فأجاب محمد بلا تردد “هلال” ففرح ويلي بذلك وقال لمحمد:
Good Good.

بعد أن انصرفنا وأخبرت أم محمد بالسالفة استغربت وقالت: “من اللي علمه يشجع هلال؟! إنت نصراوي وأنا مالي بالكورة!” قلت لها بعد أن ترددت لوهلة:”أعلمك بس ماتعلمين أحد.. أنا اللي علمته يصير هلالي.. خليه يعيش حياته مبسوط!!

الحوت الذي أبكاني!

قياسي

منذ أشهر وأنا أنتظر أن تحين لحظة سفري إلى أستراليا. كنت أنتظر تلك اللحظة على أحر من الجمر. فبالإضافة إلى إنجاز بعض الأعمال هناك سأتمكن أخيرا من رؤية الحوت الذي كنت دائما ما أتمنى أن أراه على الطبيعة. أرى ذيله الضخم وهو يمخر العباب وأرى نافورة الماء وهي تخرج من رأسه. منذ أن كنت صغيرا وأنا أتمنى أن أشعر ولو جزئيا بشعور سيدنا يونس عليه السلام وهو يلقى من السفينة فيلتقطه الحوت. كانت رؤية الحوت إحدى أكبر أحلامي وطموحاتي في هذه الدنيا.. وأجملها.

في شهر يناير من هذه السنة وبعد رحلة طويلة وشاقة وصلت استراليا. كنت أتحرق شوقا للانتهاء من أعمالي حتى أذهب في رحلة بحرية لرؤية الحوت ومشاهدته. بمجرد فراغي، انطلقت إلى أقرب مكتب سياحي. قلت للشخص الذي يعمل فيه بلغة انجليزية واثقة ومؤدبة.. ومتحمسة: ممكن تحجز لي على أقرب رحلة بحرية لمشاهدة الحوت؟ ابتسم لي ثم أجابني بإجابة لم أتوقعها أبدا. فغرت فاي و “طارت عيوني” لم أصدق أبدا ما قال! سألته مرة أخرى فأجابني بنفس الإجابة وبنفس الابتسامة. صعقت. شعرت للمرة الأولى منذ سنوات بأنني أرغب في البكاء كطفل. تسمرت في مكاني لدقيقة من هول الصدمة. حاولت بكل قوتي -كرجل- أن أسيطر على تعابير وجهي. استدرت وغادرت المكان أجر أذيال الخيبة وأمسح دمعة انحدرت غصبا عني، بينما كانت ورائي لوحة لم أنتبه إليها عندما دخلت، معلقة على باب المكتب ومكتوب عليها:
“أعزائي السياح، لاتوجد رحلات بحرية لمشاهدة الحيتان حاليا. موسم تواجد الحيتان يبدأ في شهر مايو وينتهي في نوفمبر!”