الصندوق

قياسي

قصة قصيرة:

“الصندوق”

(تنبيه: هذه القصة من وحي الخيال. أرجو من عزيزي القارىء أن لايصدق أنها حقيقة)

الفصل الأول:

كان “عادل” متقوقعا لوحده في صندوق داخل الغرفة وفجأة سمع صوت أقدام تقترب منه.

⁃ “هذا هو هنا.. خلنا نطلعه”

أحس “عادل” للمرة الأولى منذ أسبوع بحركة أيد تحاول فتح الصندوق، وماهي إلا ثوان إلا وهو يرى فوقه رجلين يرتديان زيا رياضيا ويقولان له:

⁃ “يلا يا “عادل” اطلع”..

رفع “عادل” رأسه بصعوبة، ونظر إلى الرجلين نظرة حادة يكسوها الألم ثم قال:

⁃ “أنتم متأخرين تقريبا نص ساعة. تأخركم كان بسبب انكم جايعين وأخذتوا من المطعم تيك أوي واكلتوه في دورة المياه. اكلتوا في الدورة لأن الأكل في المكاتب ممنوع. وريحتكم واضح انها ريحة حمام. تكرمون”

نظر الرجلين لبعضهما وضحكا ثم قال الشخص الأول:

⁃ “يامجنون.. كيف عرفت ان حنا تأخرنا نص ساعة وانت اصلا مامعك ساعة.. يلا اطلع من صندوقك بس!!”

كان “عادل” يعرف الوقت من خلال انعكاس ظل ضوء الشمس المتسلل بخجل من النافذة على ذلك “الكأس الذهبي” الموضوع على رف في زاوية الغرفة المظلمة. كان “عادل” شديد الملاحظة ولايفوته شيء.

وبينما كانت عينا “عادل” تنظر بألم تجاه الكأس.. بدأ الكأس يتحول شيئا فشيئا إلى لون رمادي.. بدا وكأنه يحترق ويذوب.. انقطع تركيز “عادل” على الكأس عندما صرخ الشخص الثاني:

⁃ “عادل..اخلص علينا.. جهز نفسك.. عندنا مباراة بكرة.. لازم نفوز”

تمتم الشخص الأول بفرح:

⁃ “أكيد بنفوز..عادل معنا”

نظر “عادل” إلى الكأس مرة أخرى.. كان الكأس ذهبيا لامعا.

كان “عادل” متعبا للغاية، ليس بسبب المدة التي قضاها داخل الصندوق، وإنما بسبب عدد المرات التي تحامل فيها على نفسه وأنهكها جدا جدا في سبيل تحقيق الفوز.

الفصل الثاني:

انتهت المباراة بفوز الفريق بثلاثة أهداف مقابل لاشيء. استطاع “عادل” أن يسجل هدفا ويتسبب في ركلة جزاء للآخر. بينما كان الهدف الثالث من نصيب أحد اللاعبين.

⁃ “يلا.. ادخل الصندوق.. وعدنا الأسبوع الجاي”

كانت تلك العبارة آخر شيء سمعه عادل وهو يستسلم لتلك اليد التي تدفعه داخل الصندوق وتغلقه عليه..

ظلام دامس وهدوء قاتل. كان “عادل” داخل الصندوق يتذكر أحداث المباراة..أصوات جماهير الفريق الآخر ولحظات الأهداف.

كان “عادل” بعد كل مباراة وفي كل مرة يسجل هدفا أو يتسبب في ضربة جزاء أو ينقذ الفريق من هدف، يتذكر فقط أصوات مشجعي الفريق الآخر. يتذكرها جيدا وهي ترتفع بالسباب والشتم وأقذع الألفاظ. كانت تلك الأصوات تؤلمه حد الموت وتحطم فيه تمثال الانتصار بكل قسوة. حاول أن يتذكر هتافات الفرح والتشجيع له بعد الأهداف ليعيد بناء تمثال الانتصار في داخله فلم يستطع.. لم يكن أبدا قادرا على تذكرها. كان يتساءل فيما إذا كان قد سمعها أصلا أو أحس بها.

كانت تلك الذكريات التي تعرضها له ذاكرته تجعله يبكي من أعماق قلبه كطفل.

⁃ “عادل..تتذكر الهدف اللي باليد؟”. قالها لـ”عادل” لاعب الوسط الذي صنع الهدف.

⁃ “ايه اتذكره..”

⁃ “اشوى انها عدت عالحكم”

⁃ “هو هذا بس الهدف اللي عدا على الحكم؟!”

⁃ “طيب.. تتذكر ضربة الجزاء ذيك؟”

⁃ “أكيد أتذكرها”

⁃ “صارت عليها ضجة كبيرة.. ههههههه”

الفصل الثالث:

مباريات كثيرة مرت، وكان “عادل” دائما هو العلامة الفارقة وسبب الانتصار. بسبب “عادل” استطاع الفريق أن يحصد الكثير من النقاط في بطولة الدوري، ويصل للمباراة النهائية في كأس خادم الحرمين الشريفين. كانت جماهير “عادل” سعيدة أشد ماتكون السعادة بانتصارات فريقها. كانوا دائما مايمجدون فريقهم وينشؤون له الهاشتاقات على تويتر ويساهمون في جعلها ترند بتغريداتهم التي لا تتوقف عن قوة فريقهم وعن الدفاع عن “عادل” ومهاجمة كل من يتعرض له. كانت جماهير فريق “عادل” تشاهد أهداف فريقها على مدار الساعة من خلال اليوتيوب والبرامج التلفزيونية، بينما كان “عادل” قابعا داخل الصندوق لوحده.. في ظلام دامس مستغرقا في التفكير بألم وحزن وصراع نفسي رهيب ينتظر صوت وقع تلك الأقدام التي تنذر بخروجه من الصندوق للواقع المؤلم كل أسبوع.

⁃ “اطلع من الصندوق يا “عادل”.. اليوم مباراتنا النهائية على الكاس”

⁃ “الملك بيحضر المباراة؟”

⁃ “أكيد ياعدول”

أثناء المباراة لم يكن “عادل” يبدو على مايرام فلقد خذل الجماهير أكثر من مرة على مدار المباراة. للمرة الأولى شعر “عادل” بأنه قادر على سماع أصوات مشجعي الفريق ولكنها لم تكن أصوات تشجيع وهتاف بل كانت أصوات سباب وشتائم له ولوالدته. في أكثر من لقطة، بدا “عادل” محتارا ومرتبكا.

الفصل الرابع والأخير:

كانت الغرفة التي يقبع فيها “عادل” باهتة كالموت إلا من صندوق فارغ كتبت عليه أحرف إنجليزية و “كأس ذهبية” لم تعد لامعة كما كانت من قبل. كانت شوارع المدينة خالية من البشر كمدينة مهجورة. وفي نفس الوقت، كان الكل رجالا ونساء وأطفالا إما في مدرجات الملعب أو متسمرين أمام شاشات التلفاز والأجهزة الإلكترونية يراقبون بكل حماس وصمت ثوان المباراة الأخيرة..

⁃ “الكورة.. لمست يده.. بلنتي.. شكله بلنتي”

⁃ “كذااااابة”

دار هذا الحوار بين زوج وزوجته من خلف شاشات التلفاز في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع.

اللاعبون يتجمعون حول الحكم. الكل كان يتساءل هل لمست الكرة في يده أم لا. ثوان من الانتظار مرت كأنها سنوات على جماهير الفريقين. فجأة طلب الحكم من اللاعبين الابتعاد واتجه نحو “عادل” وسأله:

⁃ “هل كانت فيه لمسة يد؟”

تردد عادل لوهلة ثم بدأ يصرخ:

⁃ “ايه لمست يده.. لمست يده.. بلنتي لهم.. بلنتي لهم”

وانتهت المباراة بخسارة الفريق ليس للمباراة فقط وإنما للكأس والبطولة أيضا.

وفي صباح اليوم التالي، كانت تلك الغرفة مضاءة بأنوار كالطيف، تملؤها رائحة عطر “نقية”. لم يكن ذلك “الكأس الذهبي” موجودا.. وكان “عادل” جالسا بكل سعادة ورضى وطمأنية نفس داخل الصندوق.. ذلك الصندوق الذي كتب عليه بالخط العريض “VAR”.

باسم الفصام

١ أبريل ٢٠١٩

تويتر: balfassam

مدونة: www.ethicsbassem

بالإعادة البطيئة!

ملاحظة

أثناء تصفحي موقع اليوتيوب الأسبوع الماضي، شاهدث مقطعا لأحد الأهداف الطريفة في عالم كرة القدم. كان الطريف والمضحك في الهدف كما بدا في عنوان المقطع، أن اللاعب سجل الهدف بيده ولكنه، وبعد احتساب الحكم للهدف، سجد لله شكرا وكأنه لم يقم بأي مخالفة! ذلك المقطع قادني، كما هي عادة اليوتيوب دائما، إلى بعض المقاطع التي تتحدث عن الأخلاقيات في كرة القدم. كانت بعض تلك المقاطع تعرض أمثلة للعب النظيف أو العادل (fair play) بينما كانت هناك مقاطع ترصد حالات للخداع والغش والتحايل على الحكام. أثناء مشاهدتي لتلك المقاطع، لفت انتباهي حجم التوثيق ودقته الذي تستطيع كاميرات “الإعادة البطيئة” أن تنقله للمشاهد لتترك له الحكم على أخلاقيات اللاعب والتزامه باللعب النظيف.

أثناء إبحاري بين المقاطع، شاهدت مقطعا أظهرت الإعادة البطيئة فيه أن ميروسلاف كلوزه سجل هدفا بيده في إحدى المباريات، إلا أن الإعادة أظهرت أيضا بأن كلوزه اعترف للحكم مباشرة بأن الهدف كان باليد ليقوم الحكم بإلغائه، ولينال كلوزه في المقابل احترام الجميع مشجعين وخصوما ويتم منحه جائزة اللعب النظيف نتيجة سلوكه. وفي المقابل، شاهدت مقطعا آخر يظهر اللاعب الفرنسي تيري هنري في مباراة ايرلندا الشهيرة وهو يلمس الكرة بيده مرتين قبل أن يمرر الكرة لزميله ليسجل هدفا ويحرم ايرلندا من التأهل لكأس العالم، وهو الموقف الذي جعل صحيفة ديلي تيلقراف الاسترالية تضع تيري على رأس قائمة الغشاشين الرياضيين. في مقطع آخر تظهر الإعادة أن ديفيد لويس لاعب تشيلسي السابق كان يقوم بالتمثيل على الحكم ليتسبب في طرد أحد اللاعبين، كما تظهر لقطة أخرى بأن اللاعب نفسه، ولكن هذه المرة مع باريس سان جيرمان وضد فريقه السابق تشيلسي، كان يقوم بمسح الرذاذ الصابوني المستخدم لتحديد مكان الخطأ ووضعه في مكان آخر للتحايل على الحكم وتغيير موقع الكرة. وعلى العكس، آظهرت إحدى اللقطات لاعب فريدر بريمان، آرون هانت، وهو يرفض الحصول على ضربة جزاء كان قد احتسبها الحكم لصالحه بعد اعترافه للحكم بأنه قام بالتمثيل للحصول عليها.

مابين ذلك اللاعب أو ذاك أمثلة كثيرة تعلمنا بأن الأخلاقيات والصدق تجبران الجمهور على احترام اللاعب، وأن اللاعب حتى وإن نجح في احتياله على الحكم، أو استطاع تجاوز القانون، أو أقنع نفسه وحاول إقناع غيره بأن الخطأ ليس خطأه فإن “الإعادة البطيئة” ستبقيه في نظر الكثيرين مذنبا. تماما كما حدث لتيري هنري الذي صرح بعد حادثة مباراة ايرلندا بأن الخطأ كان خطأ الحكم الذي لم يحتسب المخالفة، ومع أن تيري طالب لاحقا بإعادة المباراة كنوع من الندم، إلا أن ذلك لم يمنعه من تلقي انتقادات كثيرة بسبب الحادثة وجعل بعض شركات الإعلان تتراجع عن ارتباطها به نتيجة فعلته. في المقابل، تعلمنا تلك الأمثلة بأن جمال اللعب ومتعته في عدله ونظافته، بأن فرحة تحقيق الهدف لاتكتمل أبدا إذا لم يكن الهدف شريفا وعادلا. فآرون هنت، ومع أن فريقه كان يصارع للابتعاد عن شبح الهبوط رفض الحصول على ركلة الجزاء لأنه – وكما قال – لم يكن يرغب أبدا أن يكسب المباراة بالغش، ولذلك سمي بعدها بالبطل.

لنتخيل بأن كاميرات الإعادة البطيئة، تماما كتلك الموجودة في الملعب، موجودة في مكاتب موظفي الشركات، مدرائها ومجالس إدارتها، في غرف اجتماعاتهم، ترصد أفعالهم، قراراتهم، تعاملهم مع زملائهم وعملائهم ومنافسيهم فكم ياترى من المقاطع التي تتحدث عن “العمل النظيف” سنرى، كم من المقاطع سيفخر بها أصحابها، وكم من المقاطع سيلاحق أصحابها العار طوال الدهر، وكم من المقاطع ستكون طريفة جدا كذلك المقطع الذي سجل فيه اللاعب هدفا “بيده” ثم خر ساجدا لله!

قصة قصيرة: الهلالي الصغير!

قياسي

لم أكن يوما هلاليا.. ولم يسبق لي أبدا أن ارتديت “فنيلة” يجتمع فيها الأبيض والأزرق، فمنذ طفولتي وأنا نصراوي صميم عاشق للأصفر، أحب “ماجد عبدالله”، وأحفظ عن ظهر قلب عبارات “عبدالرحمن بن سعود”، وأسهر إلى منتصف الليل لكي أشاهد إعادة أهداف النصر على نشرة الأخبار. في السنوات “الكثر” الأخيرة تدهور حال النصر ولم يعد كما كان. فلم يعد ذلك الفريق المرعب الذي تحسب له الفرق ألف حساب، ولم تعد مباريات النصر ونتائجه مصدر فخر وقوة “للنصراوي” كما كانت في السابق. بل على العكس أصبحت مبارياته محل تندر ونتائجه مصدر حزن وكآبة وشقاء لكل عاشق أصفر. ففي الوقت الذي تحقق فيه النوادي الأخرى بطولة وبطولتين وثلاث خلال السنة الواحدة، أرى السنوات تمر وفريقي غير قادر على تحقيق حتى بطولة واحدة. لا أخفيكم سرا بأنني تمنيت ذات لحظة ضعف أن تعود بي الدنيا صغيرا فأغرس حب الهلال “أستغفر الله” في قلبي منذ البداية، أو أن أكون قادرا على تغيير لوني المفضل بكل بسهولة إلى الأزرق.. كنت أريد أن أفرح بالبطولات كما يفرح الهلاليون.. وأن أحتفل بالكؤوس كما يحتفل عشاق الأزرق.. ولكن هيهات.. فالوقت قد فات.. وشيئان من الصعب جدا جدا جدا أن يتغيرا في حياة المرء إذا ماتربى عليهما منذ الصغر.. الديانة.. والنادي المفضل!!

في مطار دبي الدولي التقيت صدفة باللاعب الهلالي المحترف “ويليهامسون”، وكان حينها ابني محمد معي، وبعد أن صافحت المحترف السويدي وعرفته بنفسي تعمدت أن أسأل محمد عن فريقه المفضل أمامه فقلت له:” وش تشجع ياحموودي؟” فأجاب محمد بلا تردد “هلال” ففرح ويلي بذلك وقال لمحمد:
Good Good.

بعد أن انصرفنا وأخبرت أم محمد بالسالفة استغربت وقالت: “من اللي علمه يشجع هلال؟! إنت نصراوي وأنا مالي بالكورة!” قلت لها بعد أن ترددت لوهلة:”أعلمك بس ماتعلمين أحد.. أنا اللي علمته يصير هلالي.. خليه يعيش حياته مبسوط!!