فصل الغشَّاشين!

قياسي

أيام دراستنا في الثانوية كان هناك أحد الطلاب المعروفين بالغش، وكان ذلك الطالب لايمارس الغش فقط بل ويعتقد جازما بأن الغش حلال. وعنما يرفض أحد الطلاب أن “يغششه” بحجة أن الغش حرام، كان يقول له “ياخي هذا مو غش.. هذي مساعدة”. كما أنه كان يدافع عن نفسه عندما يقبض عليه استاذ مادة الانجليزي وهو يغش بقوله “استاذ.. هذي لغة الغرب ويجوز الغش فيها”. وأيضا كان يحاول دائما اقناع الطلاب بأنه يحق لهم الغش في مواد الجيولوجيا والتاريخ والخغرافيا لأنها عديمة الفائدة ومضيعة للوقت. كان ذلك الطالب يبرر “الغش” لنفسه بطريقة أو بأخرى، وكان المهم فقط بالنسبة له أن يحصل على “الشهادة” مهما كانت الوسيلة!

في عالم الشركات والأعمال، قد نرى أحيانا بعض الأمثلة التي تذكرنا بالطالب أعلاه، والتي يكون أساسها قيام الموظف بتبرير مخالفته للأنظمة والقوانين أو سياسات الشركة أو قيمها بعبارات مثل: ” كل الموظفين يسوونه” أو “ماراح أحد يتضرر” أو “يحق لي أسوي كذا، لأن الشركة ماقدرتني”وهي العبارات الذي تجعل الموظف يقنع نفسه بأن فعله الخاطئ الذي يقوم به هو “صح ومن حقه”. فمثلا، تجده يبرر لنفسه أخذ الأدوات المكتبية الخاصة بالشركة إلى بيته وإعطائها لأولاده بأنه أمر يفعله الجميع. أو قد تجده يبرر لنفسه بأن شكواه الكيدية ضد زميله هي “رد اعتبار” للشكوى التي رفعها عليه زميله مسبقا. أو قد تجده يبرر حصوله على “مبلغ” من أحد الموردين بأن هذا المبلغ “ماراح يضر أحد، ومحد راح يدري أصلا “. أو تجده يبرر تمديد رحلة عمله لمدة يوم إضافي والإدعاء بأنه لم ينته من العمل بعد بأنه أمر يستحقه بناء على التعب والمجهود الذي قام به طوال السنة. أو تجده يقوم بخفض قيمة الأرباح في قوائم شركته المالية التي يقدمها لمصلحة الدخل وذلك من أجل دفع زكاة أقل، أو تضخيم قيمة الأرباح في القوائم المالية المقدمة للبنوك للحصول على تمويل أكبر وغير ذلك من الأمثلة. باختصار يكون السبب هو أن يقنع الموظف نفسه بأحقيته في استخدام الوسيلة التي تحقق أهدافه دون الاهتمام بالعواقب التي قد يتعرض لها هو أو شركته نتيجة لذلك العمل المخالف.

وبغض النظر عن اعتقاد الموظف بأن مايقوم به “صحيح ومن حقه”، يبقى الفيصل النهائي دائما لمعرفة الصواب من الخطأ في عالم الشركات والأعمال هو سياسات الشركة، أنظمتها، ميثاق أخلاقيات العمل لديها، قيمها، وقبل ذلك كله القوانين والأنظمة الحكومية التي تحكم قطاع العمل. فمثلا الموظف الذي يأخذ الأدوات المكتبية التي توفرها الشركة ليستخدمها أبناؤه، هو مخطئ ولاشك إذا كانت سياسات الشركة تنص على عدم استخدام ماتوفره الشركة إلا في العمل. والموظف الذي يشتكي زميله كذبا وبهتانا هو مخطئ في عرف النظام ويستحق العقوبة لأنه تقدم بشكوى كيدية حتى ولو كان يظن بأن مايقوم به هو رد اعتبار. والموظف الذي يحصل على مبلغ من المال لمساعدة مورد للفوز بعقد ما، هو مستلم لرشوة يعاقب عليها القانون. والموظف الذي يدعي بأن عمله لم ينته ليحصل على يوم “سياحي” على حساب شركته هو موظف محتال إذا كانت سياسة شركته لاتسمح بذلك. كما أن الموظف الذي يحرف البيانات المالية لشركته لخفض مبالغ الزكاة أو الحصول على تمويل أكبر هو مزور يستحق العقوبة.

إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يكون يكون نزيها في تعاملاته وأن يحذر من المبررات التي تشجعه على تبرير المخالفة، إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يستشير مديره المباشر، أو المسئولين في أقسام الموارد البشرية والقانونية وأخلاقيات العمل عند وجود أي إشكالية لديه أو تردد في القيام بعمل أو اتخاذ قرار. إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يكون الموظف قادرا على اتخاذ القرار الصحيح الذي لايتعارض مع قيم الشركة ونزاهتها والأنظمة والقوانين التي تسير عليها وبالتالي لايعرضها في المستقبل لأي عواقب كخسارة للمال أو السمعة، أو يعرضه هو لإجراءات تأديبية كالإنذارات أو الفصل.

وعوداً إلى زميلنا الطالب، بقي أن أخبركم بأن كل حججه وتبريراته للغش لم تنقذه أبدا من عقوبات المدير ووكيله، كما أن محاولات غشه المتكررة ساهمت وبشدة في تشويه صورة فصلنا عند المدرسين ومراقبي الاختبارات الذين كانوا يسمون فصلنا “فصل الغشاشين”، مع أن محاولات الغش لم يكن يمارسها سوى “غشاش” واحد فقط!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *