في زمن مضى كان ينظر إلى أخلاقيات العمل على أنها مجرد تلك الأخلاق التي يشجع الموظف على الالتزام بها تجاه زملائه أو زبائنه كالابتسامة والوجه البشوش. كان ينظر إلى أخلاقيات العمل على أنها مجرد تلك “الصفات الخلقية” التي تؤهل الموظف لأن يحصل على جائزة الموظف المثالي في نهاية الشهر وكفى. ومع أن هذه الصفات الخلقية مازالت تشكل جزءا كبيرا ومهما من أخلاقيات العمل إلا أن أخلاقيات العمل أصبحت في وقتنا الحالي لاتقتصر على ذلك وحسب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير. فعندما نتحدث عن أخلاقيات العمل في زمننا هذا فإننا نتكلم عن تلك الأخلاقيات التي تحكم السلوك العام والسائد في موسسة ما، كالنزاهة والصدق والأمانة، وذلك في تعاملاتها الداخلية أو في تعاملاتها مع مورديها وزبائنها. فمن الممكن جدا أن ترى مؤسسة ما جميع موظفيها أصحاب وجه بشوش وابتسامة رائعة ولكنها في النهاية تدفع أعلى الغرامات أو تقع عليها اشد العقوبات نتيجة فضيحة مالية أو تعامل لايتفق مع أخلاقيات العمل، وهو مايحدث ببساطة نتيجة اهتمام تلك المؤسسة فقط بتحقيق أهدافها الربحية المؤقتة حتى ولو كان ذلك عن طريق الاحتيال، أو الخداع والغش أو حتى إخفاء الحقائق والعمل بطريق ملتوية تحقق، على المدى القصير، أهدافا سريعة وأرباحا عالية!
عندما نقرأ في تاريخ الشركات فإننا نجد الكثير من الشركات قد تعرضت لنكسات مفاجئة، أو خسائر كبيرة نتيجة لعدم التزامها بأخلاقيات العمل. فبعض الشركات أصبحت بين عشية وضحاها شركات مفلسة نتيجة غرامات فرضت عليها بسبب تضليل الجهات الحكومية. وبعض الشركات خسرت سمعتها بسبب فضائح مالية أو اختلاسات لم تكن أبدا لتحدث لو أن موظفيها كان لديهم الوعي الكافي حول مخاطر تلك الممارسات التي تتعارض تماما مع أخلاقيات العمل. ولك أن تقرأ في تاريخ انهيار شركة انرون الأمريكية (21000 موظف)، أو البحث في قوقل عن مقدار الغرامة “البليونية” التي دفعتها شركة تويوتا مؤخرا نتيجة تقديمها لبيانات مضللة للجهات الحكومية في أمريكا.
إن أخلاقيات العمل في زمننا هذا لم تعد مجرد “برستيج” تتباهى المؤسسة بالتزام موظفيها به، بل أصبحت ضرورة قصوى ومطلبا ملحا لاستمرار الأرباح وتحقيق النجاحات المستمرة والمحافظة على السمعة في سوق العمل. لقد أصبح تشجيع ثقافة “العمل بالطريقة الصحيحة” وليس فقط “العمل لأجل العمل” إحدى الركائز الأساسية التي تجنب المؤسسات الوقوع مسقبلا ضحية لغرامات أو عقوبات مالية كبيرة قد تفرض عليها من قبل جهات تنظيمية بسبب أدائها للعمل بالطريقة “الخطأ” بل وتحمي مديريها ورؤؤساها التنفيذين وموظفيها وملاك أسهمها من أي اتهامات أو مسئوليات شخصية قد تلحق بهم نتيجة الإخلال بالقوانين التنظيمية. وأبعد من ذلك فإن المؤسسة “الملتزمة أخلاقيا” هي مؤسسة تثبت لجميع من حولها بأن لديها التزاما صارما وعلى أعلى مستوى بكل ما من شأنه أن يبني الثقة بينها وبين من تتعامل معهم وهو ماينعكس ولاشك على توسعاتها وتطورها في سوق العمل مستقبلا.
بقي أن نقول وباختصار شديد بأن المبدأ الأساسي لأخلاقيات العمل هو الاهتمام أولا بالطريقة التي تؤدي بها المؤسسة أعمالها وتمارس بها تعاملاتها مع الآخرين وتتخذ بها قرارتها. ذلك المبدأ المهم الذي يتوجب على كل فرد في تلك المؤسسة سواء كان كبيرا أو صغيرا أن يلتزم به. وبدون هذا المبدأ والتزام المؤسسة بأكملها به قد تجد المؤسسة نفسها – فجأة وبدون سابق إنذار – تدفع الثمن غاليا!