لما تكبر تعرف يامحمد!

قياسي

قبل أيام وردتني رسالة على بريدي الإلكتروني من صديقي الأوروبي يهنئني فيها بدخول شهر رمضان ويدعوني إلى قراءة أحد المقالات الجديدة التي تتحدث عن الركائز الأساسية لأخلاقيات العمل. كان من ضمن تلك الركائز التي وردت في المقال الصدق، الأمانة، النزاهة، مكافحة الاحتيال، مكافحة الرشوة وغير ذلك من الركائز التي تعتبر مهمة جدا لأي شركة مهتمة بأخلاقيات العمل. بعد أن انتهيت من قراءة المقال قمت بالرد على صديقي أشكره على تهنئتي بشهر رمضان وأخبره بأنني استمتعت جدا بالمقال الذي أرسله.

هذا المقال جعلني أتأمل في كون هذه الركائز هي ركائز يفترض على الإنسان المسلم أن يتحلى بها حتى ولو لم يلتحق بدورة في أخلاقيات العمل أو يقرأ مقالا عن عواقب الرشوة والاحتيال. هي ركائز أخلاقية من المفترض أن تكون لدى الإنسان المسلم بالفطرة! حينها تذكرت بعض الآيات التي تحثنا على التحلي بهذه بالأخلاق أثناء تعاملاتنا كقوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” الذي ينهانا عن الاحتيال، وقوله تعالى: ” إن الله يأمركم بالعدل” الذي يأمرنا بالعدل والمساواة، وقوله تعالى” ويل للمطففين” الذي ينهانا عن الغش. و بعض الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم:” من غشنا، فليس منا‏”‏ وقوله:”عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة” و قوله: “لعن الله الراشي والمرتشي”.

إن المسلم عندما يكون صادقا ونزيها في تعاملاته مع الموردين والزبائن فضلا عن زملائه الموظفين وشركته التي يعمل لديها فإنه بذلك ليس متقيدا بسياسات الشركة وميثاق أخلاقها فقط وإنما أيضا هو سائر على خطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق. وعندما يتجنب أي مبلغ أو هدية قد تثير التساؤلات حول نزاهته وأمانته، فإنه ليس بذلك ملتزما فقط بقانون مكافحة الرشوة بل هو أيضا متبع لأوامر نبينا صلى الله عليه وسلم الذي حذرنا من الرشوة. وعندما يتعامل بعدل مع زملائه في الشركة، أو مع الموردين، أو الزبائن فإنه ليس يريد بذلك فقط أن “يمشي على النظام” بل وأيضا فإنه يقوم بذلك لأن الله أمرنا بالعدل. وعندما لايكذب في تعامله أو يزيف أو يزور أو يحتال أو يختلس فإنه لايقوم بذلك خوفا من عقاب أو فصل فقط وإنما لايقوم به لأنه يعلم بأن “من غشنا فليس منا”.

كما أن المسلم عندما يلتزم في عمله بهذه الصفات التي حث عليها دينه فإنه يقدم مثالا جميلا لكل المتعاملين معه سواء من موظفين، أو موردين، أوشركات أو غير ذلك، مثالا يجعله هو، وشركته التي ينتمي إليها، أهلا للثقة والاحترام.

في المساء، وأثناء تناول أول وجبة إفطار رمضانية مع العائلة، وجدتها فرصة لمشاركتهم مادار بخلدي حول تأكيد دين الإسلام على هذه الركائز والقيم الأخلاقية. بعد ان انتهيت من حديثي سألني ابني محمد ذو الست سنوات بكل براءة : “بابا وش يعني رشوة؟” ابتسمت في وجهه وقلت له:”لما تكبر تعرف يامحمد.. الله يكفيك شرها ويبعدك عنها. قل آمين”. قال محمد: “آمين يابابا”. وأكملنا الإفطار.

فصل الغشَّاشين!

قياسي

أيام دراستنا في الثانوية كان هناك أحد الطلاب المعروفين بالغش، وكان ذلك الطالب لايمارس الغش فقط بل ويعتقد جازما بأن الغش حلال. وعنما يرفض أحد الطلاب أن “يغششه” بحجة أن الغش حرام، كان يقول له “ياخي هذا مو غش.. هذي مساعدة”. كما أنه كان يدافع عن نفسه عندما يقبض عليه استاذ مادة الانجليزي وهو يغش بقوله “استاذ.. هذي لغة الغرب ويجوز الغش فيها”. وأيضا كان يحاول دائما اقناع الطلاب بأنه يحق لهم الغش في مواد الجيولوجيا والتاريخ والخغرافيا لأنها عديمة الفائدة ومضيعة للوقت. كان ذلك الطالب يبرر “الغش” لنفسه بطريقة أو بأخرى، وكان المهم فقط بالنسبة له أن يحصل على “الشهادة” مهما كانت الوسيلة!

في عالم الشركات والأعمال، قد نرى أحيانا بعض الأمثلة التي تذكرنا بالطالب أعلاه، والتي يكون أساسها قيام الموظف بتبرير مخالفته للأنظمة والقوانين أو سياسات الشركة أو قيمها بعبارات مثل: ” كل الموظفين يسوونه” أو “ماراح أحد يتضرر” أو “يحق لي أسوي كذا، لأن الشركة ماقدرتني”وهي العبارات الذي تجعل الموظف يقنع نفسه بأن فعله الخاطئ الذي يقوم به هو “صح ومن حقه”. فمثلا، تجده يبرر لنفسه أخذ الأدوات المكتبية الخاصة بالشركة إلى بيته وإعطائها لأولاده بأنه أمر يفعله الجميع. أو قد تجده يبرر لنفسه بأن شكواه الكيدية ضد زميله هي “رد اعتبار” للشكوى التي رفعها عليه زميله مسبقا. أو قد تجده يبرر حصوله على “مبلغ” من أحد الموردين بأن هذا المبلغ “ماراح يضر أحد، ومحد راح يدري أصلا “. أو تجده يبرر تمديد رحلة عمله لمدة يوم إضافي والإدعاء بأنه لم ينته من العمل بعد بأنه أمر يستحقه بناء على التعب والمجهود الذي قام به طوال السنة. أو تجده يقوم بخفض قيمة الأرباح في قوائم شركته المالية التي يقدمها لمصلحة الدخل وذلك من أجل دفع زكاة أقل، أو تضخيم قيمة الأرباح في القوائم المالية المقدمة للبنوك للحصول على تمويل أكبر وغير ذلك من الأمثلة. باختصار يكون السبب هو أن يقنع الموظف نفسه بأحقيته في استخدام الوسيلة التي تحقق أهدافه دون الاهتمام بالعواقب التي قد يتعرض لها هو أو شركته نتيجة لذلك العمل المخالف.

وبغض النظر عن اعتقاد الموظف بأن مايقوم به “صحيح ومن حقه”، يبقى الفيصل النهائي دائما لمعرفة الصواب من الخطأ في عالم الشركات والأعمال هو سياسات الشركة، أنظمتها، ميثاق أخلاقيات العمل لديها، قيمها، وقبل ذلك كله القوانين والأنظمة الحكومية التي تحكم قطاع العمل. فمثلا الموظف الذي يأخذ الأدوات المكتبية التي توفرها الشركة ليستخدمها أبناؤه، هو مخطئ ولاشك إذا كانت سياسات الشركة تنص على عدم استخدام ماتوفره الشركة إلا في العمل. والموظف الذي يشتكي زميله كذبا وبهتانا هو مخطئ في عرف النظام ويستحق العقوبة لأنه تقدم بشكوى كيدية حتى ولو كان يظن بأن مايقوم به هو رد اعتبار. والموظف الذي يحصل على مبلغ من المال لمساعدة مورد للفوز بعقد ما، هو مستلم لرشوة يعاقب عليها القانون. والموظف الذي يدعي بأن عمله لم ينته ليحصل على يوم “سياحي” على حساب شركته هو موظف محتال إذا كانت سياسة شركته لاتسمح بذلك. كما أن الموظف الذي يحرف البيانات المالية لشركته لخفض مبالغ الزكاة أو الحصول على تمويل أكبر هو مزور يستحق العقوبة.

إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يكون يكون نزيها في تعاملاته وأن يحذر من المبررات التي تشجعه على تبرير المخالفة، إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يستشير مديره المباشر، أو المسئولين في أقسام الموارد البشرية والقانونية وأخلاقيات العمل عند وجود أي إشكالية لديه أو تردد في القيام بعمل أو اتخاذ قرار. إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يكون الموظف قادرا على اتخاذ القرار الصحيح الذي لايتعارض مع قيم الشركة ونزاهتها والأنظمة والقوانين التي تسير عليها وبالتالي لايعرضها في المستقبل لأي عواقب كخسارة للمال أو السمعة، أو يعرضه هو لإجراءات تأديبية كالإنذارات أو الفصل.

وعوداً إلى زميلنا الطالب، بقي أن أخبركم بأن كل حججه وتبريراته للغش لم تنقذه أبدا من عقوبات المدير ووكيله، كما أن محاولات غشه المتكررة ساهمت وبشدة في تشويه صورة فصلنا عند المدرسين ومراقبي الاختبارات الذين كانوا يسمون فصلنا “فصل الغشاشين”، مع أن محاولات الغش لم يكن يمارسها سوى “غشاش” واحد فقط!

حتى لانقع في الفخ!

قياسي

في إحدى قاعات الدراسات العليا في أمريكا، سأل الأستاذ طلابه فيما إذا كان قد سبق لأحدهم ارتكاب جريمة. استغرب الطلاب من هذا السؤال ولم يجاوب أحد. ولما أعاد الاستاذ السؤال، بدأت تظهر على وجوه الطلاب علامات الامتعاض وعدم الرضا. وبعد أن أصر الاستاذ أكثر على الحصول على إجابة قام أحد الطلاب غاضبا وقال: أستاذ، كيف تجرؤ على أن تتهمنا بالإجرام؟ اعتذر الاستاذ بكل أدب، وسكت قليلا ثم قال لطلابه: “سأسألكم سؤالا آخر إذن. هل سبق لأحدكم قيادة سيارته بسرعة تزيد عن السرعة القانونية؟” وعندما رفع بعض الطلاب أيديهم، وكان من بينهم ذلك الطالب الغاضب، قال الاستاذ: ” أو ليس تجاوز السرعة جريمة يعاقب عليها القانون؟!” تذكرت هذه القصة عندما قادنا الحديث أنا وبعض الأصدقاء إلى الحديث عن الاحتيال(Fraud)  في عالم الشركات والأعمال، وكيف أن هناك بعض الموظفين الذين قد لايدركون أصلا ماذا يعني “احتيال” وهو ماقد يعرضهم للوقوع فيه أو التعرض للعقوبات بسببه،

ماهو الاحتيال؟ هل هو يعني مثلا أن يقوم الموظف بأخذ الأدوات المكتبية التي توفرها شركته إلى البيت معه بصورة مستمرة والاستفادة منها مع عائلته وأبنائه؟ أم أنه تزوير لشهادات الخبرة من أجل الحصول على وظيفة أفضل وبراتب أعلى؟ أم أن الاحتيال هو ببساطة قيام  الموظف بتسريب معلومات داخلية إلى صديق أو قريب بغرض مساعدته على الفوز بعقد جديد، أم أن الاحتيال هو تلاعب في نظام الفواتير أو التعويضات، أم أنه أبعد من ذلك بكثير كأن يقوم أعضاء مجلس الإدارة في شركة ما بالتلاعب في بياناتها المالية من أجل رفع سهم الشركة وإنقاذها من الإفلاس أو الخسارة؟ هل يأت الاحتيال على شكل بعض التصرفات التي تتعارض مع أخلاقيات العمل كعدم الإفصاح عن تعارض المصالح الشخصية مع مصلحة الشركة، أو قبول الهدايا التي قد تهدف إلى التأثير على قرارت الموظف؟ هل يعتبر عدم إفصاح الموظف عن مصلحته من التعاقد مع شركة تملكها عائلته نوعا من الاحتيال، وهل يعتبر تقديم هدية ثمينة أو عشاء فاخر لأحد العملاء بغرض التأثير على قراراته نوعا من الاحتيال.

الاحتيال في عالم الشركات والأعمال له صور متعددة، وماذكر أعلاه بعض منها وليس كلها. ولكن لكي نفهم ماذا يعني الاحتيال علينا أن ندرك أولا بأن الأمثلة السابقة كلها يجمعها شيء واحد، هو العنصر المشترك في كل عملية احتيال أو تلاعب، ألا وهو ببساطة تعمد الخداع وإخفاء الحقيقة من أجل الحصول على مكاسب شخصية أوعوائد مادية، سواء صغرت هذه الفوائد والمكاسب أم كبرت، وسواء كان المكسب منها مجرد توطيد علاقة مع شخص ما أو الحصول على مبلغ مقابل، سواء كان العائد منها ريالا واحدا أم ملايين الريالات، لافرق! في النهاية يبقى الاحتيال خيانة للأمانة وجريمة يعاقب عليها القانون.

إن معرفة معنى الاحتيال وصور حدوثه وعواقبه يساعد الموظف ولاشك على الحذر منه أو الوقوع في فخه، كما أنه يجنبه الوقوع ضحية  لأي عقوبات أو إجراءات إنضباطية – قد تصل إلى الفصل أو السجن-  قد تقع عليه مستقبلا بسبب ممارسة الاحتيال بقصد أو بغير قصد، أو حتى السكوت عنه!

أخلاقيات العمل.. برستيج أم ضرورة!

قياسي

في زمن مضى كان ينظر إلى أخلاقيات العمل على أنها مجرد تلك الأخلاق التي يشجع الموظف على الالتزام بها تجاه زملائه أو زبائنه كالابتسامة والوجه البشوش. كان ينظر إلى أخلاقيات العمل على أنها مجرد تلك “الصفات الخلقية” التي تؤهل الموظف لأن يحصل على جائزة الموظف المثالي في نهاية الشهر وكفى. ومع أن هذه الصفات الخلقية مازالت تشكل جزءا كبيرا ومهما من أخلاقيات العمل إلا أن أخلاقيات العمل أصبحت في وقتنا الحالي لاتقتصر على ذلك وحسب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير. فعندما نتحدث عن أخلاقيات العمل في زمننا هذا فإننا نتكلم عن تلك الأخلاقيات التي تحكم السلوك العام والسائد في موسسة ما، كالنزاهة والصدق والأمانة، وذلك في تعاملاتها الداخلية أو في تعاملاتها مع مورديها وزبائنها. فمن الممكن جدا أن ترى مؤسسة ما جميع موظفيها أصحاب وجه بشوش وابتسامة رائعة ولكنها في النهاية تدفع أعلى الغرامات أو تقع عليها اشد العقوبات نتيجة فضيحة مالية أو تعامل لايتفق مع أخلاقيات العمل، وهو مايحدث ببساطة نتيجة اهتمام تلك المؤسسة فقط بتحقيق أهدافها الربحية المؤقتة حتى ولو كان ذلك عن طريق الاحتيال، أو الخداع والغش أو حتى إخفاء الحقائق والعمل بطريق ملتوية تحقق، على المدى القصير، أهدافا سريعة وأرباحا عالية!

عندما نقرأ في تاريخ الشركات فإننا نجد الكثير من الشركات قد تعرضت لنكسات مفاجئة، أو خسائر كبيرة نتيجة لعدم التزامها بأخلاقيات العمل. فبعض الشركات أصبحت بين عشية وضحاها شركات مفلسة نتيجة غرامات فرضت عليها بسبب تضليل الجهات الحكومية. وبعض الشركات خسرت سمعتها بسبب فضائح مالية أو اختلاسات لم تكن أبدا لتحدث لو أن موظفيها كان لديهم الوعي الكافي حول مخاطر تلك الممارسات التي تتعارض تماما مع أخلاقيات العمل. ولك أن تقرأ في تاريخ انهيار شركة انرون الأمريكية (21000 موظف)، أو البحث في قوقل عن مقدار الغرامة “البليونية” التي دفعتها شركة تويوتا مؤخرا نتيجة تقديمها لبيانات مضللة للجهات الحكومية في أمريكا.

إن أخلاقيات العمل في زمننا هذا لم تعد مجرد “برستيج” تتباهى المؤسسة بالتزام موظفيها به، بل أصبحت ضرورة قصوى ومطلبا ملحا لاستمرار الأرباح وتحقيق النجاحات المستمرة والمحافظة على السمعة في سوق العمل. لقد أصبح تشجيع ثقافة “العمل بالطريقة الصحيحة” وليس فقط “العمل لأجل العمل” إحدى الركائز الأساسية التي تجنب المؤسسات الوقوع مسقبلا ضحية لغرامات أو عقوبات مالية كبيرة قد تفرض عليها من قبل جهات تنظيمية بسبب أدائها للعمل بالطريقة “الخطأ” بل وتحمي مديريها ورؤؤساها التنفيذين وموظفيها وملاك أسهمها من أي اتهامات أو مسئوليات شخصية قد تلحق بهم نتيجة الإخلال بالقوانين التنظيمية. وأبعد من ذلك فإن المؤسسة “الملتزمة أخلاقيا” هي مؤسسة تثبت لجميع من حولها بأن لديها التزاما صارما وعلى أعلى مستوى بكل ما من شأنه أن يبني الثقة بينها وبين من تتعامل معهم وهو ماينعكس ولاشك على توسعاتها وتطورها في سوق العمل مستقبلا.

بقي أن نقول وباختصار شديد بأن المبدأ الأساسي لأخلاقيات العمل هو الاهتمام أولا بالطريقة التي تؤدي بها المؤسسة أعمالها وتمارس بها تعاملاتها مع الآخرين وتتخذ بها قرارتها. ذلك المبدأ المهم الذي يتوجب على كل فرد في تلك المؤسسة سواء كان كبيرا أو صغيرا أن يلتزم به. وبدون هذا المبدأ والتزام المؤسسة بأكملها به قد تجد المؤسسة نفسها – فجأة وبدون سابق إنذار –  تدفع الثمن غاليا!

السكوت ليس دائما من ذهب!

قياسي

 

 

قبل أيام كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء. كان حديثنا حول ظاهرة عدم حديث بعض الموظفين عن ملاحظاتهم على العمل عبر القنوات الرسمية المتوفرة في الشركة وبدلا من ذلك التحدث بها مع زملائهم الذين لاناقة لهم ولاجمل في التعامل مع تلك الملاحظات. كنا نتحدث عن الموضوع من ناحية فيما إذا كان ذلك نوعا من “الفضفضة” أم أنه نوع من السلبية، أم فيما إذا كان انعدام الثقة في نظام الشركة وحلها للمشكلات هو السبب وراء ذلك. يقول صديقي بأنه يوميا يسمع في ردهات العمل أو في وقت الغداء العديد من المواضيع المتعلقة بما يوصف بالظلم، أو تقديم المصالح الشخصية على مصالح الشركة، أو أخطاء بعض المسؤولين في إدارة الشركة. كما أنه ومن فترة لأخرى يسمع من بعض زملائه بعض الممارسات التي يعتقد الموظف بأنها “خطأ” واضح أو تتعارض مع مبادئء وقيم الشركة، ولكنه عندما يسأل المتحدث فيما إذا كان قد اتخذ أي إجراء إيجابي تجاه تلك الملاحظات تكون الإجابة عادة “وأنا وش دخلني!”

 

إن آخر شيء تتمناه أي شركة ناجحة في العالم أن يشعر الموظف بـ”اللامسئولية” تجاه شركته. فالأحاديث أو “الفضفضة” السلبية التي لايعقبها أي إجراء إيجابي يتخذه الموظف للمساهمة في حل أي مشكلة دليل على خلل في الشركة ووعي موظفيها بمسئوليتهم تجاهها. فعندما يرى الموظف أمرا يعتقد بأنه مخالف لما تقوم عليه الشركة من أسس ومبادىء فإن أول أمر ينبغي للموظف أن يقوم به المساهمة الإيجابية في التعامل مع المشكلة وذلك سواء عن طريق اتخاذ الإجراء المناسب، بعد استشارة المسئولين طبعا، إذا كان الموظف يملك الصلاحية المناسبة أو على الأقل إيصال المشكلة للمسؤولين عبر القنوات الرسمية المتاحة كالمدير المباشر أو الموارد البشرية أو القسم القانوني في الشركة أو أي قناة رسمية أخرى.

 

كان حديثنا مليئا بالفوائد التي ستجنيها أي شركة من ملاحظات موظفيها ووأرائهم ومعلوماتهم التي يدلون بها عن أي مخالفات لاتتفق مع قيم الشركة. ومع أن الوقت داهمنا إلا أنني اعترف بأن الحديث مع صديقي حول تحمل المسؤولية وعدم السكوت عن أي أمر من شأنه أن يضر بالشركة وسمعتها كان ماتعا وشيقا.

 

بعد أن افترقنا أنا وصديقي وقبيل المساء أمسكت بجوالي وكتبت رسالة نصية قصيرة له: “سأكتب عن حديثنا مقالا بعنوان:السكوت ليس دائما من ذهب. دقائق وأتاني رده مذيلا بوجه أصفر يبتسم “قدااام ياباسم!”

بالإعادة البطيئة!

ملاحظة

أثناء تصفحي موقع اليوتيوب الأسبوع الماضي، شاهدث مقطعا لأحد الأهداف الطريفة في عالم كرة القدم. كان الطريف والمضحك في الهدف كما بدا في عنوان المقطع، أن اللاعب سجل الهدف بيده ولكنه، وبعد احتساب الحكم للهدف، سجد لله شكرا وكأنه لم يقم بأي مخالفة! ذلك المقطع قادني، كما هي عادة اليوتيوب دائما، إلى بعض المقاطع التي تتحدث عن الأخلاقيات في كرة القدم. كانت بعض تلك المقاطع تعرض أمثلة للعب النظيف أو العادل (fair play) بينما كانت هناك مقاطع ترصد حالات للخداع والغش والتحايل على الحكام. أثناء مشاهدتي لتلك المقاطع، لفت انتباهي حجم التوثيق ودقته الذي تستطيع كاميرات “الإعادة البطيئة” أن تنقله للمشاهد لتترك له الحكم على أخلاقيات اللاعب والتزامه باللعب النظيف.

أثناء إبحاري بين المقاطع، شاهدت مقطعا أظهرت الإعادة البطيئة فيه أن ميروسلاف كلوزه سجل هدفا بيده في إحدى المباريات، إلا أن الإعادة أظهرت أيضا بأن كلوزه اعترف للحكم مباشرة بأن الهدف كان باليد ليقوم الحكم بإلغائه، ولينال كلوزه في المقابل احترام الجميع مشجعين وخصوما ويتم منحه جائزة اللعب النظيف نتيجة سلوكه. وفي المقابل، شاهدت مقطعا آخر يظهر اللاعب الفرنسي تيري هنري في مباراة ايرلندا الشهيرة وهو يلمس الكرة بيده مرتين قبل أن يمرر الكرة لزميله ليسجل هدفا ويحرم ايرلندا من التأهل لكأس العالم، وهو الموقف الذي جعل صحيفة ديلي تيلقراف الاسترالية تضع تيري على رأس قائمة الغشاشين الرياضيين. في مقطع آخر تظهر الإعادة أن ديفيد لويس لاعب تشيلسي السابق كان يقوم بالتمثيل على الحكم ليتسبب في طرد أحد اللاعبين، كما تظهر لقطة أخرى بأن اللاعب نفسه، ولكن هذه المرة مع باريس سان جيرمان وضد فريقه السابق تشيلسي، كان يقوم بمسح الرذاذ الصابوني المستخدم لتحديد مكان الخطأ ووضعه في مكان آخر للتحايل على الحكم وتغيير موقع الكرة. وعلى العكس، آظهرت إحدى اللقطات لاعب فريدر بريمان، آرون هانت، وهو يرفض الحصول على ضربة جزاء كان قد احتسبها الحكم لصالحه بعد اعترافه للحكم بأنه قام بالتمثيل للحصول عليها.

مابين ذلك اللاعب أو ذاك أمثلة كثيرة تعلمنا بأن الأخلاقيات والصدق تجبران الجمهور على احترام اللاعب، وأن اللاعب حتى وإن نجح في احتياله على الحكم، أو استطاع تجاوز القانون، أو أقنع نفسه وحاول إقناع غيره بأن الخطأ ليس خطأه فإن “الإعادة البطيئة” ستبقيه في نظر الكثيرين مذنبا. تماما كما حدث لتيري هنري الذي صرح بعد حادثة مباراة ايرلندا بأن الخطأ كان خطأ الحكم الذي لم يحتسب المخالفة، ومع أن تيري طالب لاحقا بإعادة المباراة كنوع من الندم، إلا أن ذلك لم يمنعه من تلقي انتقادات كثيرة بسبب الحادثة وجعل بعض شركات الإعلان تتراجع عن ارتباطها به نتيجة فعلته. في المقابل، تعلمنا تلك الأمثلة بأن جمال اللعب ومتعته في عدله ونظافته، بأن فرحة تحقيق الهدف لاتكتمل أبدا إذا لم يكن الهدف شريفا وعادلا. فآرون هنت، ومع أن فريقه كان يصارع للابتعاد عن شبح الهبوط رفض الحصول على ركلة الجزاء لأنه – وكما قال – لم يكن يرغب أبدا أن يكسب المباراة بالغش، ولذلك سمي بعدها بالبطل.

لنتخيل بأن كاميرات الإعادة البطيئة، تماما كتلك الموجودة في الملعب، موجودة في مكاتب موظفي الشركات، مدرائها ومجالس إدارتها، في غرف اجتماعاتهم، ترصد أفعالهم، قراراتهم، تعاملهم مع زملائهم وعملائهم ومنافسيهم فكم ياترى من المقاطع التي تتحدث عن “العمل النظيف” سنرى، كم من المقاطع سيفخر بها أصحابها، وكم من المقاطع سيلاحق أصحابها العار طوال الدهر، وكم من المقاطع ستكون طريفة جدا كذلك المقطع الذي سجل فيه اللاعب هدفا “بيده” ثم خر ساجدا لله!

كيف تنتقم من عميل اشتكى عليك؟!

قياسي

اليوم كنت في مراجعة بنكي المفضل لاستخراج بطاقة “فيزا” بديلة وفورية بعد أن ابتلع الصراف بطاقتي الأصلية. دخلت صالة استصدار البطاقات البديلة الفورية وأخذت رقمي ٦٠٦. كانت الصالة ممتلئة بعدد كبير من المراجعين يخدمهم موظفان وآلة طباعة بطاقات واحدة. كان الساعة قرابة الواحدة ظهرا والرقم المعروض على الشاشة ٥٥١. أخذت مكاني وجلست أنتظر دوري. كانت الخدمة بطيئة جدا فعلى سبيل المثال بعد مرور ساعة كاملة أصبح الرقم المعروض على الشاشة ٥٥٦. بصراحة كنت أعرف تماما ظروف اليوم الأخير من العمل وزحمته التي غالبا ماتنتج عن تأجيلنا لأعمالنا لآخر لحظة، ولكن ماحيلتي وقد حضرت للبنك قبل ذلك اليوم وأفادني الموظف بأن الطابعة متعطلة وعلي مراجعة البنك في يوم آخر!
المهم قررت الاستسلام والانتظار طمعا في الحصول على بطاقتي البديلة التي أحتاجها ضروريا أثناء سفري للخارج لقضاء إجازة العيد. وبينما كانت جحافل العملاء تعاني الانتظار وتحاول بشتى الطرق الحصول على خدمات البنك منهم الجالس على كرسيه ومنهم الجالس على الأرض ومنهم الواقف كنت أنا اتصفح تويتر “صديقي الصدوق” وأتتنقل بين المغردين في محاولة مني لقتل الطفش وطول الانتظار. أثناء تصفحي وقعت على الحساب الرسمي الإلكتروني لخدمة العملاء لبنكي المفضل فقررت أن أكون إيجابيا وأن أنقل الصورة لإدارة البنك. كتبت تغريدة في منشن خدمة العملاء الإلكتروني وأرفقتها بصورة من موقع الحدث ثم واصلت التصفح. بعدها بنصف ساعة تقريبا دخل مدير الفرع ينادي على اسمي. بصراحة كنت أتوقع بأن إدارة الفرع بحكم معرفتي بمعايير البنك العالية وسمعته العالمية قد علمت بأمر التغريدة وأنها ستشكرني على ملاحظتي وتعتذر لي عن التأخير الحاصل ولكن المفاجأة كانت أن مدير الفرع بعد أن تأكد من أنني صاحب التغريدة بدأ في محاولة التبرير لذلك التأخير وإلقاء اللوم بطريقة غير مباشرة على العملاء الذين لم يراجعوا البنك إلا في آخر يوم. كان حديث مدير الفرع معي، وأمام الكل، حديثا أثار استياء المراجعين الذين لم يتوقعوا أبدا أن يدافع المدير عن التأخير بقدر ماتوقعوا أن يبحث المدير عن حلول للمشكلة وتعجيل عملية صرف البطاقات بطريقة أو أخرى. بعد أن خرج المدير من الصالة شكرني جدا من كان بجانبي خصوصا وأن اثنين من الموظفين بعد التغريدة دخلوا الصالة لمساعدة زملائهم والأرقام بدأت تصبح في تناقصها أسرع من السابق. لا أخفيكم سرا بأنني شعرت بإيجابيتي في التعامل مع مشكلة التأخير بإيصالها إلى مسئولي البنك عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي الذين تعاملوا بسرعة وفاعلية مع التغريدة.
وبعد أن وصل الرقم ٦٠٦ أخيرا وناداني الموظف قمت بتعبئة بياناتي وأنا أحمد الله بأنني أخيرا وبعد قرابة الأربع ساعات من الانتظار سأحصل على بطاقتي وأستخدمها في سفري بكل راحة وطمأنينة بال.
بعد ذلك واصل موظفو البنك النداء على الأرقام إلى أن وصلوا إلى آخر رقم، الرقم ٦٢٥ يزيد أو ينقص قليلا. تمت خدمة جميع العملاء أصحاب الأرقام التي قبلي والتي بعدي وصرفت لهم بطاقاتهم البديلة وخرجوا سعداء من البنك ولم يبق من المراجعين سوى عميل واحد فقط، العميل الذي حينما حان دوره أفاده الموظف بأن حبر طابعة البطاقات قد انتهى وأن الوعد بعد العيد، العميل المخلص الذي أرسل التغريدة “باسم الفصام”!