أبو كاشف

قياسي

 

كان أبو كاشف إنسانا تبدو عليه الانطوائية، لاتربطه الكثير من العلاقات مع الناس، يحب المطاعم ويعشق السفر، بسيط إلى أبعد درجة ولاتبدو عليه الكثير من علامات الذكاء أو النباهة. ولكن العجيب أنه وبالرغم من ذلك كان يبدو وكأنه يعرف معظم مايدور في أروقة الشركات من أسرار. كان من حين لآخر يكتب في “قروبات الواتساب” عن معلومات لايعلمها أحد عن بعض الشركات حتى قبل أن يعرف موظفو تلك الشركة عنها. وكان بكل بساطة قادرا على أن يخبرك، مثلا، بأن هناك هيكلة جديدة تخطط لها إحدى الشركات، أو يقول مثلا بأن هناك أخبارا عن استقالة قريبة لأحد المسئولين في شركة أخرى، أو تجده فجأة يتحدث عن نية لاستحواذ شركة على شركة قبل أن يظهر أي خبر رسمي عن ذلك، أو تجده يتكلم عن توقع لنتائج سلبية أو إيجابية لشركة ما، أوصفقات وعقود وميزانيات لم يتم الاعلان عنها بعد.

كانت المعلومات التي  يكشفها أبو كاشف عن بعض الشركات سببا في خسارة بعض من تلك الشركات لعدد من مميزاتها التنافسية الخاصة بها سواء كانت على الصعيد المالي أو على صعيد السمعة . فمثلا في إحدى المرات تحدث أبو كاشف عن إحدى المشاريع التي تعتزم إحدى الشركات القيام بها، فما كان من أحد أصدقائه، والذي كان يعمل مديرا في الشركة المنافسة لتلك الشركة إلا أن أخذ فكرة المشروع وطبقها فورا في شركته مماجعل الشركة الأولى صاحبة المشروع تفقد ميزة الريادة في ذلك المشروع وتفقد جزءا كبيرا من الايرادات المتوقعة. وفي مرة أخرى، كتب أبو كاشف في حسابه على تويتر تغريدة تناقلها مئات المغردين حول ماوصفه بمعلومات مسربة عن أنباء متعلقة بصفقة ضخمة لإحدى الشركات وهو الأمر الذي تسبب في حدوث تذبذب حاد على سهم الشركة ومسائلة الشركة لاحقا من قبل الجهة المختصة وتغريمها نتيجة لفشلها في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تسرب الخبر، كما أن ذلك التسريب كان أحد الأسباب الرئيسة التي تسببت في إلغاء الصفقة فيما بعد. وفي المقابل، تضررت سمعة بعض الشركات من معلومات أبو كاشف، حيث أصبحت بعض الشركات توصف بأنها شركات لاتعرف كيف تحتفظ بمعلوماتها، وأن معلوماتها تتسرب بسهولة أو أنها شركات مخترقة أوفاسدة أو لاتؤدي عملها باحترافية.

كان الجميع يعلم بأن أبو كاشف يملك معلومات وأسرارا تجارية قد تصيب أحيانا وتخطئ أخرى، ولكن لم يكن أحد أبدا يعلم بأن الطريقة التي يحصل بها أبو كاشف على معلوماته ساهم في نجاحها عدد من المنتمين لتلك الشركات من حيث لايعلمون، ساهم فيها موظفون ومديرون ومستشارون غاب عنهم أن المعلومة قوة، وأن “التهاون” في المحافظة عليها قد يؤدي إلى ما لاتحمد عقباه، ساهم فيها أشخاص لم يدركوا بأن “السوالف” عن معلومات داخلية أو أسرار تجارية خاصة بالشركة مع الآخرين سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو مع زملاء من شركات أخرى قد يضر بمصلحة الشركة ككل وبالتالي فإنه مهما بلغت قسوة الإجراء التأديبي الذي يطال الشخص الذي أفشى المعلومة فإنه لن يعوض أبدا ولو جزءا بسيطا من ما فات الشركة من ربح أو نالها من أذى وقد يضطرها إلى ملاحقته قانونيا، ساهم في نجاحها أشخاص لم يدركوا بأن أبو كاشف قد يكون ذلك الشخص الذي يجلس على الطاولة القريبة منهم وقت الغداء وهم يتحدثون عن أسرار العمل، أو ذلك الشخص الذي يتظاهر بقراءة جريدة وهم يستعرضون المشروع القادم في مقاعد درجة رجال الأعمال على متن الطائرة!