كيف تعتذر بشجاعة وثقة؟!

قياسي

“مشكلتي ياخي أني مااعرف اعتذر.. صعب جدا اني اروح اعتذر منه”. قالها لي أحد أصدقائي بعد أن اقترحت عليه أن يعتذر من أحد أصدقائه الذي حدثت له مشكلة كبيرة بعد أن نقل صديقي كلام صديقه بدون قصد لشخص آخر.

كان صديقي مترددا ومحتارا جدا في كيفية التعامل مع الموقف فتارة يقول لي والله مالي وجه أعتذر منه.. ومرة أخرى يقول أنا ماكان قصدي أصلا.. ومرة يقول بكيفه يبي يزعل يطق براسه ألف جدار.

سألت صديقي فيما إذا كان مقرا بخطئه في نقل الكلام فأجابني بأنه يدرك تماما بأنه “جاب العيد” ولكنه لايتخيل أبدا بأن يقوم بالاعتذار ولَم يسبق له أصلا أن اعتذر من أحد.

بعد أن ذكَّرت صديقي بأن الاعتذار من شيم الكبار.. وأن الاعتذار عند الخطأ شجاعة ودليل ثقة في النفس، وأن اعتذارك من صديقك دليل محبتك له وحرصك عليه، بدأ صديقي بالاقتناع بأن عليه الاعتذار ولكنه لم يكن يعرف كيف يعتذر..

قلت لصديقي بأن أول شيء عليه أن يفعله بأن يأخذ الموضوع بجدية وأول شي يسويه أن يقول لصديقه بأنه يبي يكلمه في الموضوع اللي صار. مثلا يقول لصديقه: “أبي أكلمك بخصوص موضوع اني نقلت كلامك وسببت لك مشكلة مع صديقك”.

بعد كذا.. قلت لصديقي بأنه لابد أن يقر ويعترف لصديقه بما حدث. مثلا يقول: ” أدري إني سببت لك مشكلة مع صديقك يوم إني نقلت كلامك له”. وأيضا قلت لصديقي بأن عليه أن يعترف من أعماق قلبه بأنه أخطأ و”جاب العيد”. مثلا يقول: ” أدري إن اللي سويته غلط.. انت ماكنت تقصد الكلام اللي قلته.. ومو من حقي أصلا أنقل كلامك”..

وبعد ماتبين لصديقك بأنك جاد في الاعتذار وتعترف له باللي صار وتقر بخطأك.. وقتها تقول له الكلمة السحرية : “آسف ياصديقي.. أعتذر منك”.. ومايمنع إنك تلطف الجو بشي يضحك إذا كان الجو يسمح مثلا: ” والله ياني جبت العيد فيك بغبائي” أو “وش أنا بدونك ياصقيقي” أو غيرها..

وفِي المقابل قلت لصديقي ينتبه من انه يحسس صديقه بأنه مو جاد في اعتذاره أو أن اعتذاره مو “من قلب”. مثلا قلت لصديقي انتبه تقول: ياأخي آسف “إذا” كنت ضايقتك. لإن “إذا” في هالحال ممكن تخليه يحس انك مو مرررة قد اعتذارك وإنك مو متأكد إن الموضوع ضايقه. أو تقول له “ياخي ماتوقعت انك تزعل مني” لأن هالعبارة ممكن تحسسه إنك ماهتميت بمشاعره أو إن الخطأ خطأه.

وفِي النهاية، قلت لصديقي لازم يحط بباله إن صديقه ممكن ماراح يرضى بسرعة بس العادة إن الواحد يرضى إذا تم الاعتذار له بصدق واحترام حتى لو أخذ الرضى وقت. وشي ثاني، اعتذارك بهالطريقة راح يحسس صديقك بأنك جاد في عدم تكرار الخطأ اللي سويته ويقلل إحساسك بالذنب لأنك فعلا جالس تعالج بجدية وبشجاعة خطأك مع صديقك..

بعد أن انتهينا من الحديث وقبل أن نفترق قال لي صديقي: “باسم.. تتذكر يوم كنّا أيام الثانوي وكسرتك مع رجلك في حصة الرياضة..ياخي ودي اعتذر منك الحين”.. قلت له: يلا حب اللي كسرتها”. قال لي: “خلاص.. هونت”..وضحكنا!

حبيبتي التي لاتغار منها زوجتي!

قياسي

أحببتها حد الهيام.. وعشقتها كعشق روميو لجولييت.. وقيس لليلى.. وجاك لروز.. أحببتها كما لو كان حبي لها هو هوائي الذي أتنفسه.. ودمي الذي به أحيا وأعيش..

بدأت قصة حبي لها منذ سنوات.. كانت البداية عندما رأيتها أمامي شامخة تسير بكل ثقة و جمال.. نظراتي لها كانت هي النظرات الوحيدة في حياتي التي أشعر فيها بأنني فشلت إلى أبعد حد في غض البصر..

لم أستطع أبدا أن أقاوم جمالها.. تفاصيلها.. ثقتها.. هيبتها.. وكل شيء! عندما بادلتني النظرات.. ومن أول لحظة.. شعرت من أعماق قلبي بأن شعورها نحوي كان لايقل أبدا عن شعوري نحوها..

كانت نظراتها حنانا وأمانا.. وجمالا وروعة.. وقوية إلى أبعد حد.. إلى الحد الذي شعرت فيه بأن سهم “الحب” قد أصابني في مقتل فأحياني..

إلى الحد الذي شعرت فيه بأن نار الحب جنة وجحيمها نعيم.. إلى الحد الذي شعرت فيه بأن “عمى” الحب هو من يجعل الإنسان يبصر ويرى..

كان أكثر مايعجبني فيها “قوة شخصيتها”.. كانت تدرك تماما أن حاسديها كثر.. وأن هناك من يغار منها ويتمنى لها أسوء الأمنيات ويتألم كثيرا عندما يراها شامخة..

ولكن وصولها إلى تلك المرحلة “الملكية” وبلوغها لأعلى وأقوى وأسمى درجات الثقة بالنفس والقوة.. جعلها لاتعير للحاسدين اهتماما..

كنت أرى بكل وضوح مقدار الغيرة التي تقتل كل من اسود قلبه وقبحت نيته تجاهها.. وعندما أخبرها بذلك وأصارحها بخوفي الشديد عليها تقول لي: “باسم.. الواثق لايخشى أحدا”

في الثالث والعشرين من سبتمبر وفي اليوم الوطني تحديدا.. رأيتها صدفة في “المملكة” وقد توشحت با أحب الألوان لها.. اللون الأخضر.. ذلك اللون الذي أحببته من حبي لها..

كان شعار السيفين والنخلة منقوشا بكل وضوح على جبينها.. وكأنها تقول لكل من يراها.. “أنا سيف حاد على كل من أراد لي الأذى.. وظل وارف لكل من احتمى بي”..

ذلك الشعار المنقوش على جبينها جعلني أراها في كل سيف.. وفي كل نخلة.. إنه الحب الذي يجعلك تهيم في أدق التفاصيل!

عندما رأيتها في المملكة كان الناس كلهم حولها.. يهتفون باسمها.. وينظرون لها بكل إعجاب وحب.. وكانت هي تبادلهم بكل جمال تلك المشاعر..

كان الجميع وكأنما يتمنون أن يبقوا معها وتبقى معهم إلى الأبد.. كان الجميع يشاركني فيها.. في حبيبتي.. في معشوقتي التي أقبل بكل هيام ذلك التراب الذي تمشي عليه..

لم أشعر بالغيرة أبدا وأنا أرى كل الناس يشاركونني فيها..في حبيبتي..في معشوقتي.. لم يتحطم قلبي “الأخضر” أو أحزن.. ولم أشعر بالغيرة وأنا أراها تبادل كل الناس مشاعر الحب والعشق.. كل الناس..

بالعكس.. كانت فرحتي وسعادتي أضعافا وأضعاف.. وعلى عكس العشاق الذين لايريدون لأحد أن يشاركهم من يعشقون..تمنيت من أعماق قلبي أن يزداد حبها في قلوب الجميع.. ويشاركني حبها كل أحد..

بعد أن انتهى اليوم.. عدت إلى البيت.. وجدت أبنائي محمد وعبدالله في انتظاري وقد ارتدوا “تيشيرتات” خضراء عليها نفس الشعار الذي رسمته حبيبتي على جبينها.. السيفان والنخلة..

حضنتهم بكل قوة.. وقلت لهم: “أحبكم.. وأحبها.. لولا الله ثم هي ماكنت أنا واياكم الحين بأمن وأمان.. وعزة وشموخ.. وفرح وسعادة”.. قالوا: “بابا من هي”.. قلت: “حبيبتي”.. قالوا: “من حبيبتك؟!”.. قلت: “السعودية”..

وبينما كنت أقبل أبنائي وأحضنهم.. كنت أسمع أم محمد وهي بالقرب منا تردد: ” الله لايحرمنا من حبيبتك وحبيبتنا..”

أربعة طلاب.. ودكتور!

قياسي

يحكى قديما أن أربعة طلاب كان عندهم اختبار بكرة، بس مسكت معهم وقالوا خنطلع للبر وبعدها نرجع نذاكر. اللي حصل ان السهرة زانت ومارجعوا الا الليل وما أمداهم يذاكرون.المهم الصبح قرروا انهم يسوقونها ع الدكتور ويقولون له ان امس كان عندهم زواج خارج الرياض وصارت لهم مشكلة..

جو الصباح للدكتور وثيابهم مغبرة وحالتهم حالة وقالوا ان المشكلة اللي صارت لهم انهم في طريق رجعتهم للرياض من الزواج بنشر الكفر وماكان معهم ستبنة ومالقوا احد يساعدهم الا بعد خمس ساعات وانهم رجعوا هلكانين وما امداهم يذاكرون الاختبار..

‏جلس الدكتور دقيقة يفكر ثم قال لهم:

‏”خلاص مو مشكلة. مقدر ظروفكم وباعيد لكم الاختبار بعد ٣ أيام”. قالوا للدكتور الله يعطيك ألف عافية وحنا بنصير جاهزين وقت الاختبار باذن الله.

‏في اليوم الثالث جو الطلاب للدكتور وقال لهم: “عشان الاختبار هو اختبار اعادة.. بيختبر كل واحد منكم في فصل بلحاله”. قالوا ماعندنا مانع..

لما جت كل واحد منهم ورقة الاختبار كان فيها سؤالين بس ومن ١٠٠ درجة.

‏السؤال الأول (درجة واحدة):

‏ماهو اسمك؟

‏السؤال الثاني (٩٩ درجة):

‏اختر الإجابة الصحيحة: أي كفر بنشر عليكم؟

‏أ) الأمامي الأيسر ب) الأمامي الأيمن ج) الخلفي الأيسر د) الخلفي الأيمن

مايستفاد من القصة:

‏كن على قدر المسؤولية والا تراك بتاكلها على راسك 😊

خمسه ريال!

قياسي

عندما كنت في الصف الأول الابتدائي حصل لي موقف لن أنساه أبدا. أثناء لعبي في الفسحة وجدت “خمسة ريال” واقعة على الأرض في ساحة المدرسة. يبدو بأنها سقطت من أحد الطلاب دون أن يدري. عندما رأيت الخمسة ريالات أخذتها ووضعتها في جيبي وعدت إلى البيت. بحكم طفولتي، لم يكن لدي أي خيار آخر سوى أن آخذ المبلغ وأعتبره هبة من السماء تستحق -بكل براءة – أن أشكر الله عليها. أتذكر بأنني وبمجرد دخولي إلى البيت ذهبت إلى أمي وحكيت لها الموقف بكل فرح وفخر. كنت سعيدا جدا بحصولي على مثل هذا المبلغ الذي كان يعادل مصروف ثلاثة أيام تقريبا حينها وكان كفيلا بأن يشتري لي زعتر وبيتزا وبطاطس زينة ونحول وببسي وعصير أدلع بها نفسي بقية أيام الأسبوع. مازلت أتذكر وجه أمي عندما حدثتها بالموقف. لم يكن وجها راضيا أو سعيدا كما توقعت! قالت لي:”باسم.. هذي فلوس ولد طاحت منه.. هذي حقته.. خذها معك بكرة وعطها الاستاذ عشان يدور صاحب الفلوس ويرجعها له.” لم أكن سعيدا برد أمي وقتها وكنت أتمنى لو أنني أبقيت هذه الثروة معي! كان الموقف -بحق- موقفا صعبا.

اليوم وبعد سنوات.. دخلت إلى السوبر ماركت القريب من بيتي وبعد أن اشتريت بعض الأغراض أعطيت المحاسب بطاقتي الفيزا ليخصم مبلغ مااشتريته منها ولكنني عندما عدت إلى البيت وقرأت رسائل الجوال تفاجأت بأن المبلغ الذي خصم من الفيزا كان ستة ريالات بدلا من ستين ريالا! هذه المرة، كان لدي خيار آخر.. خيار ربتني عليه أمي عندما كنت طفلا.. خيار لم يكن أبدا صعبا.. خيار “الأمانة”!

عدت إلى السوبر ماركت وأريت المحاسب الرسالة وأعطيته بطاقتي فقام بخصم ماتبقى من الحساب وشكرني من أعماق قلبه.

في كلا الموقفين ربما كان موقفي “القانوني” سليما فيما لو قررت الاحتفاظ بالمبلغ. فالخطأ لم يكن خطأي والنظام غالبا لن يتهمني بالسرقة، ولكن هل سيكون موقفي فيما لو احتفظت بالمبلغ سليما “أخلاقيا”؟! أبدا!

وأنا أكتب لكم هذين الموقفين، مرت بخاطري العديد من المواقف سواء في حياتنا العملية أو الاجتماعية التي قد تكون بنفس الصورة؛ سليمة من الناحية القانونية ولكنها عكس ذلك من الناحية الأخلاقية. مواقف ليست بالسهلة أبدا. مواقف نحتار فيها بين القانون والأخلاق.. مواقف يصعب علينا جدا اتخاذ القرار بشأنها..

ولكن علينا دائما أن نختار الخيار “الأخلاقي” حتى ولو كان صعبا!

لماذا؟

لأن “الأخلاقيات” ياسادة نجاح على المدى البعيد وسمعة حسنة لك وللمؤسسة التي تنتمي إليها. الأخلاقيات ياسادة نهج يجعلك تنام مرتاح الضمير وهادئ البال. الأخلاقيات ياسادة ثقافة بدونها لن نكون “عظماء”!

قال الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)

مقبرة الأعوام

قياسي

هلم بنا إلى المقبرة.. 
إلى مقبرة الأعوام.. 
هناك.. حيث استلقى كل عام مضى ممدًا.. بلا حراك أو نفس.. لا سؤال يهمس ولا جواب يلتمس.. الهدوء وحده يلف المكان.. هكذا حال المقابر..!
اختلفت المقابر.. وتعددت القبور.. ومازالت مقابر أعوامنا حتى هذه الساعة مفتوحة الأبواب.. تستقبل في كل عام عامًا قد حان أجله وانقضت أيامه. والسعيد من عمر مقبرته بعبادة وطاعة.. والشقي من أفسد مقبرته ربما بلذة ساعة.. ولا تستوي مقبرة الشقي والسعيد!!
فمن أي الأنواع يا ترى هي مقابر أعوامنا؟!
الله أعلم!!
مقابر الناس تختلف باختلاف أصحابها.. فمن الناس من مقبرة أعوامه خضراء نضرة.. أخاذة عطرة.. تسلب الألباب بجمالها، وتزكم الأنوف بأريجها.. هي مقبرة ليست كالمقبرة.. يحسبها الزائر جنة قد أحيطت بسور.. أو واحة قد توارت حياء عن أعين الناظرين.. معمورة بأجل الطاعات وأزكى العبادات.. سياجها تقوى الله.. وحبيبات رملها ذكر وتسبيح.. وهواؤها نقي لا حقد و لا حسد.. حارسها يفتح الباب كل عام وقد نضر وجهه وحسن مظهره يقول لصاحبها: والله ما علمنا عن عامك هذا – رحمه الله – إلا خيرًا.. 
ومن الناس من مقبرة أعوامه ظلمات بعضها فوق بعض.. لا نور يضيؤها.. ولا هواء يحرك ساكنها.. كأنما قبورها رؤوس الشياطين.. يزورها الزائر فما يحسبها إلا سجنًا قد أحاطت جدرانه بكل ما قبح وشان.. أو منفى قد قضى فيه صاحب كل رذيلة. جدرانها جد عالية وكأنما قد خشي صاحبها أن تفضحه عند الخلائق بخبيث ريحها وقبيح منظرها.. كل حبة رمل فيها تشهد على معصية أو تفاخر بذنب.. وكل قبر فيها يصرخ بأعلى صوته “أن أخرجوا هذا العام من جوفي فما جلب لي والله إلا البؤس والشقاء” وصدق القبر وما كذب!!. 
ومن الناس من حديث قبور أعوامه أفضل من قديمها.. وما وقع نظر الناظر على قبر إلا وحسبه أجمل القبور وأحلاها.. فإذا ما نظر إلى قبر العام الذي بعده نسي جمال السابق وانشغل بروعة اللاحق فكل قبر قد فاق سابقه جمالاً وحسنا.. وكل عام قد فضل سابقه علمًا وعملاً!!
ومن الناس من مقبرة أعوامه على النقيض تمامًا.. فترى قديم قبوره أصلح بناء وأشد قوة من حديثها.. حتى ليخيل للناظر إليها أن صاحبها قد أتعبه بناء قبوره فكل ومل.. وما عادت مقابر أعوامه كسابقها من حيث الوضاءة والجمال.. وإنما اعترتها جرثومة ضعف وأصابتها لوثة من فتور.. فكانت النتيجة أن كان كل قبر أقل من سابقه رونقًا وبهاءً!!
وهكذا هي المقابر.. مقابر الأعوام.. فمقبرة تسر الناظر.. وأخرى تسوؤه.. وبين المقبرتين مقابر تتفاوت في جمال التصميم وروعة البنيان. 
وما زلنا نتعاهد مقابرنا بدفن الأعوام.. العام بعد العام.. فنذهب إلى المقبرة ونحثو التراب على عام فارقنا ثم نعود أدراجنا.. إلى أن يأتي اليوم الذي نحمل فيه حملاً إلى المقبرة.. إلى نفس المقبرة.. فيحثى علينا التراب ويرجع القوم.. ونبقى هناك.. لنتوسد القبر حيث لا أنيس ولا جليس إلا مقابر قد بنيناها في زمن مضى.. تناثرت هنا وهناك.. 
مقابر أعوامنا!! 

علبة الألوان!

قياسي

خلال الصف الأول الابتدائي حصل لي موقف لن أنساه..
في أحد الأيام كانت عندنا حصة رسم. وقت الحصة وعندما فتحت حقيبتي تفاجأت بأنني نسيت علبة الألوان. كانت صدمة لم أملك معها -كطفل- سوى الدموع الصامتة..
انتبه استاذي لدموعي ولم يكن يعرف السبب..
اقترب مني وقال: ياباسم ليه تبكي؟!
اعترفت له بكل براءة وقلت نسيت الألوان!
أخذني الاستاذ إلى خارج الفصل وقال لي..
باسم “كلنا نخطئ ولكن هالشي مو خطأ.. الخطأ هو لما تسوي الخطأ مرة ثانية. أنا أعرف انك شاطر وانك بس نسيت..
دخلنا الفصل وقال الاستاذ للطلاب الصغار: باسم نسى ألوانه وش رايكم نساعده ويعطيه كل واحد منكم لون؟
وفورا ناولني كل طالب قلما واحدا من كل لون.. ألوانا لونت حياتي مرة أخرى ذلك اليوم!

كان ذلك الموقف هو الموقف الأول في حياتي الذي عرفت فيه معنى “التعاون” وماذا يعني “الاستاذ المربي”!

منيرة وحصة.. حب لايموت!

قياسي

منيرة وحصة.. صديقتان حميمتان جمعهما الحب وغلف علاقتهما صدق منقطع النظير منذ الصغر. منذ أن كانتا طفلتين وهما لايهنأ لهما وقت إلا بقضائه معا، ولا يروق لهما حديث إلا إذا كانت إحداهما تتكلم والأخرى -بكل حماس- تستمع. عندما تنظر إليهما تشعر في داخلك بأن كلاهما لاتكتمل إلا بالأخرى، وعندما تستمع إلى أحاديثهما على انفراد لابد وأن تجد في حديث الواحدة منهن إشارة لطيفة مباشرة أو غير مباشرة إلى صديقتها الأخرى. كبرا ففرقتهما الدنيا. لم تعد ألعاب “الصغار” تجمعهما كثيرا كما كانت فمسئوليات “الكبار” سرقت منهما – بكل جرأة – ذلك الوقت الذي كانا يقضيانه سويا، وسلبت منهما -بكل قسوة- تلك اللحظات الجميلة التي كانت تزيد حياتهما الجميلة جمالا. ومع مرور السنوات، بدأ عنكبوت “البعد” ينسج شباكه بينهما ويحاول بكل خبث أن يقطع بعضا من حبال الوصل التي تعبتا معا على مدار السنين في نسجها..
الاسبوع الماضي قررت أن أجمع تلك الانسانتين معا. كان هدفي أن أمنحهما فرصة أخرى لاسترجاع ماضي الأيام وحلو الذكريات. كان هدفي أن أملأ قلوبهما الطاهرة بشيء من دماء الماضي الجميل ورائع الأيام الخالية. قدمت لهما دعوة للحضور إلى منزلي وتناول طعام العشاء معا بحضور بعض الأقارب، وكنت في قمة السعادة وأنا أراهما يلبيان دعوتي بكل فرح وشوق.
وفي مجلسي، في تلك الليلة الجميلة، كنت أجلس بين تلك الانسانتين الجميلتين..
الانسانتين اللتان رزقهما الله من أبناء الأحفاد عددا كثيرا.. ومن الأحفاد عددا أكثر وأكثر..
بين تلك الانسانتين اللتان كنت أراهما وهما يتبادلان بكل فرح ذكرياتهما الجميلة أيام الصغر.
كنت أجلس بين “منيرة” جدتي لأمي، و”حصة” أخت جدتي لأبي وأنا أحمد الله أن منحني شرف جمعهما تحت سقف واحد، وشرف الاستماع إلى دعوات صادقة وجميلة يوجهانها لي ولعائلتي الصغيرة بالتوفيق والسعادة طول العمر!

ذكرياتي مع عماير الضباط!

قياسي

قبل أربع وثلاثين سنة من اليوم بالضبط كان ميلادي ولذلك قررت أن أعيش هذا اليوم بطريقة مختلفة وبطعم آخر، بطريقة تجعلني استرجع ولو جزءاً بسيطا من ذكرياتي خلال سنوات عمري الماضية، وبطعم متميز يوازي تميز هذا اليوم بالنسبة لدي.
كنت محظوظا جدا أن صادف هذا اليوم تواجد واحد من أعز أصدقاء طفولتي. عبدالله الحكمي. حيث كان أبوعبدالوهاب متواجدا في الرياض لمدة يومين بعد غياب عنها وعني استمر لقرابة الثلاث سنوات. كما صادف هذا اليوم أن كان يوما يزينه رذاذ المطر الذي بدأ وكأنه يشاركني فرحتي بيوم ميلادي، وغائما وكأنه يغطي عني بكل حنان أشعة الشمس.
استقليت سيارتي أنا وعبدالله فجر ذلك اليوم متجهين إلى المكان الذي جمعنا صغارا “عماير الضباط”.
وصلنا إلى هناك قبيل صلاة الفجر. دخلنا المسجد الذي كم صلينا فيه مرارا وتكرارا سنوات وسنوات. دخلنا من نفس الباب ولكن الأعمار لم تكن نفسها الأعمار التي زادت عشرين سنة!
بعد الصلاة تأملت وجوه المصلين، لم أميز منهم أحدا، جيل ذهب وجاء بعده جيل، جيل لايشبه سابقه في أي شيء!
بعد الصلاة خرجنا من المسجد واتجهنا لإلقاء نظرة من بعيد على شققنا، على مواقف سياراتنا، على المصعد الذي كنا نراه كبيرا وأصبح الآن من أصغر مايكون، على المراجيح، على الدرج والصالة ومكان القمامة -أجلكم الله-. كنا نمر على كل هذه الذكريات ولانتخيل أبدا بأننا في تلك الأيام كنا نعتقد بأننا سنزور هذا المكان بعد كل هذه السنوات لنتذكره ونعيشه كمجرد أطلال وذكريات.
مر الوقت من أسرع مايكون. كنا نشعر بأن الأوقات كلها لن تسعنا للاستمتاع باستعادة كل الذكريات. كنا نود أن نقضي اليوم كله هناك تماما كما كنا نقضيه في السابق نلهو ونلعب بدون أن تكون المسئوليات في انتظارنا أو الارتباطات تملأ يومنا.
أنهينا الجولة ا”لذكرياتية”. ركبنا السيارة وخرجنا من بوابة “العماير”. كنا غير مصدقين أبدا بأننا عشنا للتو ذكريات ولحظات وأماكن كنا نعيشها سويا قبل عشرين سنة!
قبل أن ينزل عبدالله من سيارتي التفت إلي وقال:
“ابو محمد.. تتوقع راح نرجع لهنا بعد عشرين سنة وتكون جولتنا هذي من الذكريات؟!”
قلت له: “الله يحيينا حياة طيبة ياعبدالله.. بس ضروري إذا جينا هنا بعد عشرين سنة يكون معنا أحفاد مو أولاد وبس!”
وضحكنا!

سكارى تحت الأعماق..

قياسي

بينما كنت اليوم أتحدث أنا وأحد أصدقائي عن الرياضات قادتنا السواليف إلى الحديث عن رياضة الغوص. ومن ضمن الأشياء التي تحدث لي عنها صديقي “الغواص” شيء عجيب غريب يسمى بـ”سكرة الأعماق”. وهي تقريبا عبارة عن حالة هلوسة أو فقدان جزئي للوعي تشبه حالة السكر أو الثمالة تصيب الغواص أثناء الغوص. يقول صديقي الخبير بأنه شاهد العديد من “سكارى” الأعماق أثناء رحلات غوصه. يقول -والحديث لصديقي- بأنه رأى أحدهم وقد خلع قناع الأكسجين ويحاول أن يخلع بقية ملابس الغوص لكي يسجد “سجدة شكر” بعد ان اصطاد سمكة! ويعرف آخر لم يصدق عينيه وهو يرى عقارب عداد الساعة تتحرك فجأة بسرعة غريبة وجنونية. هذا فضلا عن بعض الحركات المضحكة والغريبة وأحيانا “المحرجة” التي يقوم بها بعض الغواصين نتيجة للمرور بهذه الحالة فيصبحون تماما كما لو كانوا “سكارى تحت الأعماق”.

قبل أن ننتهي من الحديث سألته:
إلا على فكرة ماقد انت مريت بهاالحالة؟ قللي وش صار لك ووش سويت؟
ابتسم ابتسامة خجل وإحراج ثم قال:
باسم.. تكفى طلبتك طلبتك لاتحرجني!

قصة قصيرة: الهلالي الصغير!

قياسي

لم أكن يوما هلاليا.. ولم يسبق لي أبدا أن ارتديت “فنيلة” يجتمع فيها الأبيض والأزرق، فمنذ طفولتي وأنا نصراوي صميم عاشق للأصفر، أحب “ماجد عبدالله”، وأحفظ عن ظهر قلب عبارات “عبدالرحمن بن سعود”، وأسهر إلى منتصف الليل لكي أشاهد إعادة أهداف النصر على نشرة الأخبار. في السنوات “الكثر” الأخيرة تدهور حال النصر ولم يعد كما كان. فلم يعد ذلك الفريق المرعب الذي تحسب له الفرق ألف حساب، ولم تعد مباريات النصر ونتائجه مصدر فخر وقوة “للنصراوي” كما كانت في السابق. بل على العكس أصبحت مبارياته محل تندر ونتائجه مصدر حزن وكآبة وشقاء لكل عاشق أصفر. ففي الوقت الذي تحقق فيه النوادي الأخرى بطولة وبطولتين وثلاث خلال السنة الواحدة، أرى السنوات تمر وفريقي غير قادر على تحقيق حتى بطولة واحدة. لا أخفيكم سرا بأنني تمنيت ذات لحظة ضعف أن تعود بي الدنيا صغيرا فأغرس حب الهلال “أستغفر الله” في قلبي منذ البداية، أو أن أكون قادرا على تغيير لوني المفضل بكل بسهولة إلى الأزرق.. كنت أريد أن أفرح بالبطولات كما يفرح الهلاليون.. وأن أحتفل بالكؤوس كما يحتفل عشاق الأزرق.. ولكن هيهات.. فالوقت قد فات.. وشيئان من الصعب جدا جدا جدا أن يتغيرا في حياة المرء إذا ماتربى عليهما منذ الصغر.. الديانة.. والنادي المفضل!!

في مطار دبي الدولي التقيت صدفة باللاعب الهلالي المحترف “ويليهامسون”، وكان حينها ابني محمد معي، وبعد أن صافحت المحترف السويدي وعرفته بنفسي تعمدت أن أسأل محمد عن فريقه المفضل أمامه فقلت له:” وش تشجع ياحموودي؟” فأجاب محمد بلا تردد “هلال” ففرح ويلي بذلك وقال لمحمد:
Good Good.

بعد أن انصرفنا وأخبرت أم محمد بالسالفة استغربت وقالت: “من اللي علمه يشجع هلال؟! إنت نصراوي وأنا مالي بالكورة!” قلت لها بعد أن ترددت لوهلة:”أعلمك بس ماتعلمين أحد.. أنا اللي علمته يصير هلالي.. خليه يعيش حياته مبسوط!!