المشاهير وأخلاقيات العمل الإعلامي!

قياسي

خلال الأسبوع الماضي حضرت ندوة بعنوان “بناء أخلاقيات الأعمال في الإعلام” ضمن مبادرة #أطلق_مشروعك ومع أنني بصراحة كنت أتوقع بأن محتوى الندوة سيكون أكثر تركيزا على أخلاقيات العمل إلا أنني استمتعت واستفدت كثيرا بما جاء فيها وخصوصا بأنها تطرقت لموضوع نحتاجه جدا في الوقت الحالي الذي تطمح فيه المملكة العربيةالسعودية إلى تحقيق الأفضل على جميع الأصعدة بما في ذلك النزاهة والشفافية وأخلاقيات العمل. الندوة ضمت صديقي الملهم الدكتور عبدالرحمن السلطان المدير التنفيذي للتوعية والإعلام بهيئة الغذاء والدواء، والأستاذ عبدالعزيز الخضيري المهتم بشؤون المستهلك، والأخت أضوى الدخيل المشهورة والمحترمة جدا على شبكات التواصل الإجتماعي.

خلال الندوة أدركت تماما بأن ما كنّا نتحدث عنه قبل سنوات حول أخلاقيات العمل الإعلامي يختلف تماما عن مايجب أن نتحدث عنه الآن حول الموضوع نفسه. في الماضي كان حديثنا عن أخلاقيات العمل الإعلامي موجها للصحفيين والكتاب وموظفي الجهات والإدارات الإعلامية فقط أما اليوم فالحديث موجه للكل. الجميع أصبح قادرًا من خلال جواله أن يمارس دورا إعلاميا “عالميا” في لحظة!

لتعزيز ثقافة أخلاقيات عملنا الإعلامية نحتاج إلى برنامج متكامل يركز على أهمية أخلاقيات العمل في الإعلام ويساعد من يمارس أي دور إعلامي سواء مؤسساتي أو شخصي على اتخاذ القرار الصحيح والسليم بخصوص كل مايقوم بنشره أو طرحه في وسائل الإعلام ومنها السوشيال ميديا. ولابد للبرنامج أن يكون عاما وموجها للجميع.

من وجهة نظري، لكي ينجح برنامج أخلاقيات العمل الإعلامي فإنه يحتاج إلى ثلاث ركائز أساسية يتبناها القوي الأمين. أولا، تطوير ووضع سياسات وأنظمة لأخلاقيات العمل الإعلامي. ثانيا، رفع مستوى الوعي بأهمية أخلاقيات العمل الإعلامي. ثالثا، تشجيع الإعلاميين سواء التابعين للمؤسسات الإعلامية أو المشاهير على سؤال أهل الاختصاص واستشارتهم حول أي أمر قد يبدو أن فيه مايعارض العمل الإعلامي السليم والنزيه.

عندما أتحدث عن وضع السياسات المتعلقة بأخلاقيات العمل الإعلامي فإنني أقصد الأنظمة والضوابط والتوجيهات التي توضح ماهو المتوقع من الممارس للدور الإعلامي وأيضا الإجراءات التأديبية التي يتم اتخاذها بحق الممارس في حال مخالفته للأنظمة. قد يشتمل ذلك على مواثيق لأخلاقيات العمل، سياسات متعلقة باستخدام مواقع التواصل بغرض نشر مواد إعلامية، سياسات حفظ الخصوصية، سياسات خاصة بالدعايات والإعلانات التي يقوم بها المشاهير إلخ.

وعندما أتحدث عن رفع مستوى الوعي بأخلاقيات العمل الإعلامي فإنني أتحدث عن تثقيف الممارسين الإعلاميين سواء المشهورين أو غيرهم بخصوص أهمية أخلاقيات العمل في مانقدم. مثلا، إن التزامنا بأخلاقيات العمل في إعلامنا يساعدنا على النجاح على المدى البعيد ويعطي صورة جميلة عن وطننا للعالم ويحمينا من أي مسؤليات قانونية.

أما عندما أتحدث عن تشجيع الممارسين الإعلاميين على الاستشارة وطرح الأسئلة للجهات المختصة قبل اتخاذ قرار إعلامي معين أو نشر مادة إعلامية ما، فإنني أتحدث عن توفير الجهات المختصة لقنوات تواصل كالهاتف أو الإيميل يستطيع المشهور أو الإعلامي السؤال من خلالها والتواصل مع الجهات المعنية وسؤالهم عن مايشكل عليه قبل اتخاذ أي قرار.

نصيحتي لكل إعلامي سواء كان كاتبا أو موظفا أو مشهورا يريد أن يجعل أخلاقيات العمل أساسا له هي مايلي:

النصيحة الأولى:

كن صادقا: احذر من أن تدفعك مصلحتك الشخصية للكذب أو التضليل. صدقك سيجعلك تعيش النجاح طويلا وليس لفترة قصيرة أو مؤقتة!

النصيحة الثانية:

كن إنسانا: إنسانيتك ستجعلك ترى الإنسان الآخر إنسانا أيضا وليس مجرد “درج” تصعد عليه للوصول إلى هدفك، عندما تكون “إنسانا” فإنك لن تجد نفسك أبدا تستغل إنسانا آخر من أجل أن تروج لمادتك الإعلامية أو تزيد من أرباحك. سترى الإنسان الآخر على أنه إنسان يحتاج إلى خبرتك ويستفيد منك ويشاركك في الرقي بمجتمعك ووطنك.

النصيحة الثالثة:

كن مسؤولا: التزم بالأنظمة والقوانين فيما تقدم واجعل القيم والمبادئ الأخلاقية هي أساس عملك. استشر وأسأل إذا كنت مترددا أو لاتعلم عن الأنظمة ذات العلاقة. ولاتنشر شيئا إلا إذا كنت مقتنعا تماما بأنك مسؤول عنه.

كلي ثقة بأن تطبيقك لهذه النصائح سيساعدك كثيرا في النجاح على المدى البعيد وسيحميك بإذن الله من أي حملة تطالب بتبليك المشاهير!

خمسه ريال!

قياسي

عندما كنت في الصف الأول الابتدائي حصل لي موقف لن أنساه أبدا. أثناء لعبي في الفسحة وجدت “خمسة ريال” واقعة على الأرض في ساحة المدرسة. يبدو بأنها سقطت من أحد الطلاب دون أن يدري. عندما رأيت الخمسة ريالات أخذتها ووضعتها في جيبي وعدت إلى البيت. بحكم طفولتي، لم يكن لدي أي خيار آخر سوى أن آخذ المبلغ وأعتبره هبة من السماء تستحق -بكل براءة – أن أشكر الله عليها. أتذكر بأنني وبمجرد دخولي إلى البيت ذهبت إلى أمي وحكيت لها الموقف بكل فرح وفخر. كنت سعيدا جدا بحصولي على مثل هذا المبلغ الذي كان يعادل مصروف ثلاثة أيام تقريبا حينها وكان كفيلا بأن يشتري لي زعتر وبيتزا وبطاطس زينة ونحول وببسي وعصير أدلع بها نفسي بقية أيام الأسبوع. مازلت أتذكر وجه أمي عندما حدثتها بالموقف. لم يكن وجها راضيا أو سعيدا كما توقعت! قالت لي:”باسم.. هذي فلوس ولد طاحت منه.. هذي حقته.. خذها معك بكرة وعطها الاستاذ عشان يدور صاحب الفلوس ويرجعها له.” لم أكن سعيدا برد أمي وقتها وكنت أتمنى لو أنني أبقيت هذه الثروة معي! كان الموقف -بحق- موقفا صعبا.

اليوم وبعد سنوات.. دخلت إلى السوبر ماركت القريب من بيتي وبعد أن اشتريت بعض الأغراض أعطيت المحاسب بطاقتي الفيزا ليخصم مبلغ مااشتريته منها ولكنني عندما عدت إلى البيت وقرأت رسائل الجوال تفاجأت بأن المبلغ الذي خصم من الفيزا كان ستة ريالات بدلا من ستين ريالا! هذه المرة، كان لدي خيار آخر.. خيار ربتني عليه أمي عندما كنت طفلا.. خيار لم يكن أبدا صعبا.. خيار “الأمانة”!

عدت إلى السوبر ماركت وأريت المحاسب الرسالة وأعطيته بطاقتي فقام بخصم ماتبقى من الحساب وشكرني من أعماق قلبه.

في كلا الموقفين ربما كان موقفي “القانوني” سليما فيما لو قررت الاحتفاظ بالمبلغ. فالخطأ لم يكن خطأي والنظام غالبا لن يتهمني بالسرقة، ولكن هل سيكون موقفي فيما لو احتفظت بالمبلغ سليما “أخلاقيا”؟! أبدا!

وأنا أكتب لكم هذين الموقفين، مرت بخاطري العديد من المواقف سواء في حياتنا العملية أو الاجتماعية التي قد تكون بنفس الصورة؛ سليمة من الناحية القانونية ولكنها عكس ذلك من الناحية الأخلاقية. مواقف ليست بالسهلة أبدا. مواقف نحتار فيها بين القانون والأخلاق.. مواقف يصعب علينا جدا اتخاذ القرار بشأنها..

ولكن علينا دائما أن نختار الخيار “الأخلاقي” حتى ولو كان صعبا!

لماذا؟

لأن “الأخلاقيات” ياسادة نجاح على المدى البعيد وسمعة حسنة لك وللمؤسسة التي تنتمي إليها. الأخلاقيات ياسادة نهج يجعلك تنام مرتاح الضمير وهادئ البال. الأخلاقيات ياسادة ثقافة بدونها لن نكون “عظماء”!

قال الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)