قصة قصيرة: الهلالي الصغير!

قياسي

لم أكن يوما هلاليا.. ولم يسبق لي أبدا أن ارتديت “فنيلة” يجتمع فيها الأبيض والأزرق، فمنذ طفولتي وأنا نصراوي صميم عاشق للأصفر، أحب “ماجد عبدالله”، وأحفظ عن ظهر قلب عبارات “عبدالرحمن بن سعود”، وأسهر إلى منتصف الليل لكي أشاهد إعادة أهداف النصر على نشرة الأخبار. في السنوات “الكثر” الأخيرة تدهور حال النصر ولم يعد كما كان. فلم يعد ذلك الفريق المرعب الذي تحسب له الفرق ألف حساب، ولم تعد مباريات النصر ونتائجه مصدر فخر وقوة “للنصراوي” كما كانت في السابق. بل على العكس أصبحت مبارياته محل تندر ونتائجه مصدر حزن وكآبة وشقاء لكل عاشق أصفر. ففي الوقت الذي تحقق فيه النوادي الأخرى بطولة وبطولتين وثلاث خلال السنة الواحدة، أرى السنوات تمر وفريقي غير قادر على تحقيق حتى بطولة واحدة. لا أخفيكم سرا بأنني تمنيت ذات لحظة ضعف أن تعود بي الدنيا صغيرا فأغرس حب الهلال “أستغفر الله” في قلبي منذ البداية، أو أن أكون قادرا على تغيير لوني المفضل بكل بسهولة إلى الأزرق.. كنت أريد أن أفرح بالبطولات كما يفرح الهلاليون.. وأن أحتفل بالكؤوس كما يحتفل عشاق الأزرق.. ولكن هيهات.. فالوقت قد فات.. وشيئان من الصعب جدا جدا جدا أن يتغيرا في حياة المرء إذا ماتربى عليهما منذ الصغر.. الديانة.. والنادي المفضل!!

في مطار دبي الدولي التقيت صدفة باللاعب الهلالي المحترف “ويليهامسون”، وكان حينها ابني محمد معي، وبعد أن صافحت المحترف السويدي وعرفته بنفسي تعمدت أن أسأل محمد عن فريقه المفضل أمامه فقلت له:” وش تشجع ياحموودي؟” فأجاب محمد بلا تردد “هلال” ففرح ويلي بذلك وقال لمحمد:
Good Good.

بعد أن انصرفنا وأخبرت أم محمد بالسالفة استغربت وقالت: “من اللي علمه يشجع هلال؟! إنت نصراوي وأنا مالي بالكورة!” قلت لها بعد أن ترددت لوهلة:”أعلمك بس ماتعلمين أحد.. أنا اللي علمته يصير هلالي.. خليه يعيش حياته مبسوط!!

الحوت الذي أبكاني!

قياسي

منذ أشهر وأنا أنتظر أن تحين لحظة سفري إلى أستراليا. كنت أنتظر تلك اللحظة على أحر من الجمر. فبالإضافة إلى إنجاز بعض الأعمال هناك سأتمكن أخيرا من رؤية الحوت الذي كنت دائما ما أتمنى أن أراه على الطبيعة. أرى ذيله الضخم وهو يمخر العباب وأرى نافورة الماء وهي تخرج من رأسه. منذ أن كنت صغيرا وأنا أتمنى أن أشعر ولو جزئيا بشعور سيدنا يونس عليه السلام وهو يلقى من السفينة فيلتقطه الحوت. كانت رؤية الحوت إحدى أكبر أحلامي وطموحاتي في هذه الدنيا.. وأجملها.

في شهر يناير من هذه السنة وبعد رحلة طويلة وشاقة وصلت استراليا. كنت أتحرق شوقا للانتهاء من أعمالي حتى أذهب في رحلة بحرية لرؤية الحوت ومشاهدته. بمجرد فراغي، انطلقت إلى أقرب مكتب سياحي. قلت للشخص الذي يعمل فيه بلغة انجليزية واثقة ومؤدبة.. ومتحمسة: ممكن تحجز لي على أقرب رحلة بحرية لمشاهدة الحوت؟ ابتسم لي ثم أجابني بإجابة لم أتوقعها أبدا. فغرت فاي و “طارت عيوني” لم أصدق أبدا ما قال! سألته مرة أخرى فأجابني بنفس الإجابة وبنفس الابتسامة. صعقت. شعرت للمرة الأولى منذ سنوات بأنني أرغب في البكاء كطفل. تسمرت في مكاني لدقيقة من هول الصدمة. حاولت بكل قوتي -كرجل- أن أسيطر على تعابير وجهي. استدرت وغادرت المكان أجر أذيال الخيبة وأمسح دمعة انحدرت غصبا عني، بينما كانت ورائي لوحة لم أنتبه إليها عندما دخلت، معلقة على باب المكتب ومكتوب عليها:
“أعزائي السياح، لاتوجد رحلات بحرية لمشاهدة الحيتان حاليا. موسم تواجد الحيتان يبدأ في شهر مايو وينتهي في نوفمبر!”