ماهي مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة؟

قياسي

سألني أمس أحد الأصدقاء من القطاع الحكومي عن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة التي وافق عليها مجلس الوزراء في السعودية يوم أمس، ووصفها بأنها “تستهدف…تنمية روح المسؤولية لدى الموظف العام، ونشر القيم والمبادئ الأخلاقية المهنية لديه وتعزيزها والالتزام بها، و تعزيز ثقة المواطن بالخدمات التي تقدمها الدولة، ومكافحة الفساد بكل صوره. ]و [تستهدف تنمية ثقافة الموظف العام بأهمية الدور الذي يضطلع به، والأطر الأخلاقية التي يعمل في سياقها، وتعزيز القيم المهنية والأخلاقية في علاقته مع رؤسائه ومرؤوسيه وزملائه ومتلقي الخدمة.” كان سؤال صديقي حول ماذا تعني تلك المدونة وعلى ماذا تحتوي وماهي فائدتها.
إن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة هي عبارة عن وثيقة ومرجع لمساعدة الموظف على اتخاذ قراراته اليومية والعمل بطريقة سليمة لا تخالف الأنظمة والقوانين، كما أنها توضح مبادئ المؤسسة وقيمها التي تسير عليها وتلتزم بها في أدائها لعملها وتربطها بالطريقة التي يتوقع من الموظف أداء عمله بها. ويتعدى الأمر ذلك ليصل إلى التأكيد على أن مخالفة تلك المبادئ أو القيم يؤدي إلى اتخاذ إجراء تأديبي أو انضباطي قد يصل إلى حد الفصل بحق من تثبت عليه المخالفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المدونة تعمل على تنمية حس اتخاذ القرار السليم لدى الموظف والإبلاغ عن المخالفات وعادة ماتوفر له معلومات عن القنوات والمراجع الداخلية التي يمكن له التواصل معها أو الرجوع إليها في حال احتاج الموظف أو المدير إلى استشارة أو اتخاذ قرار أو الإبلاغ عن مخالفة. وأيضا فإن المدونة تحتوي على معايير تهدف إلى تعزيز السلوك الأخلاقي والأمانة لدى المؤسسات وذلك فيما يتعلق بالتعامل مع حالات التعارض في المصالح الشخصية ومصالح العمل أو حتى “يبدو” أنها كذلك، والإفصاح الصادق والدقيق والكامل والواضح عن المعلومات التي ينبغي للمؤسسة الإفصاح عنها للجهات المسؤولة، والالتزام التام بالقوانين والأنظمة الحكومية.
وعادة ما تبدأ مدونات قواعد السلوك الوظيفي برسالة من الإدارة العليا في المؤسسة تؤكد فيها التزامها بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تؤدي بها المؤسسة أعمالها. كما أنها تحتوي على أقسام حول مكافحة الفساد والرشوة، وتعارض المصالح، والالتزام بالأنظمة والقوانين التي تفرضها الحكومة، ومكافحة العنصرية، والتأكيد على المساواة والعدل والاحترام والتنافس الشريف وعدم الانتقام من أي شخص أبلغ عن مخالفة أو فساد أو أبدى مخاوفه الصادقة عنها. كما أن بعض المدونات تحتوي على أمثلة على السلوكيات الخاطئة أو غير السليمة وتورد طريقة التعامل معها، وتضع نموذجا مبسطا يستعرض بعض الخطوات التي يمكن للموظف أو المسئول اتباعها قبل اتخاذ أي قرار أو القيام بأي تصرف يتعلق بالعمل وذلك لكي يضمن بأن ما سيقوم بها لن يكون فيه ما يتعارض مع أخلاقيات العمل ومبادئ النزاهة والأمانة.
إن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفية العامة هي جزء أساسي من أي برنامج مؤسسي لتطوير أخلاقيات العمل ومكافحة الفساد، وقد تحمل عدة مسميات، منها “ميثاق أخلاقيات العمل” و “مدونة السلوكيات الوظيفية” و ” مدونة أخلاقيات المهنة” وغيرها من الأسماء التي قد تختلف ولكن المحتوى والهدف يبقى هو نفسه في غالب الأحوال. كما أن بعض المؤسسات تلزم المنتمين لها جميعا وبدون استثناء بالإقرار بصورة دورية على المدونة، وتقيم ورش عمل وتدريب لزيادة الوعي بها، وتضع سياسات وإجراءات مستقلة حول محتويات المدونة وما يرد فيها.
وأخيرا وليس آخرا وباختصار فإن المدونة تهدف إلى تعزيز الأمانة والنزاهة ورفع حس مكافحة الفساد والممارسات غير السليمة لدى أفراد المؤسسة وتزرع فيهم بأن الغاية لا تبرر الوسيلة وتؤكد على أن المؤسسة لن تتسامح أبدا في اتخاذ الإجراء اللازم بحق المخالف وتؤكد على أن الأهم في أداء العمل ليس أداؤه فقط وإنما أيضا الطريقة السليمة التي يؤدى بها.

 

وللاطلاع على أمثلة لبعض مدونات الجهات والشركات الكبرى المطروحة للعامة يمكنكم زيارة الروابط التالية:

قواعد السلوك الوظيفي – هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)

قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات المهنة – سابك

ميثاق أخلاقيات العمل – بي أيه إي سيستمز

قواعد أخلاقيات العمل – بيكتل

 

تسعدني مشاركاتكم وإضافاتكم، وفي حال وجود أي أسئلة أو استفسارات حول الموضوع يسعدني أكثر تواصلكم معي..

باسم الفصام

متخصص معتمد في أخلاقيات العمل والامتثال

http://www.EthicsBassem.com

 

اللاعب رقم واحد!

قياسي

خلال الأسبوع الماضي دار حوار بيني وبين بعض الزملاء حول مسئولية تعزيز النزاهة وأخلاقيات العمل والالتزام بالأنظمة والقوانين لدى الموظفين في أي شركة، ومن هو “اللاعب رقم واحد” في تعزيز تلك الأخلاقيات وغرسها في نفوس الأفراد والموظفين. كان الحوار فيما إذا كان اللاعب الأهم والمؤثر الأكبر في صناعة بيئة ملتزمة بأخلاقيات العمل هو قسم أخلاقيات العمل أم أنه الإدارة العليا، هل هو قسم الموارد البشرية أم قسم الشئوون القانونية، أم أنه غير ذلك كله؟!

من وجهة نظري، فإن الإدارة العليا وقسم أخلاقيات العمل وإدارة الموارد البشرية وإدارة الشؤون القانونية بل وجميع أفراد المؤسسة صغيرهم وكبيرهم كلهم لاعبون مهمون ومؤثرون في خلق أي بيئة عمل نزيهة وملتزمة بأخلاقيات العمل وممتثلة للقوانين والأنظمة، ولكن يبقى اللاعب رقم واحد دائما في تعزيز أخلاقيات العمل وصناعة بيئة لاتسمح أبدا بما يخالف الأنظمة والقوانين أو بما قد يضر سمعة الشركة هو “المدير”!.

إن “المدير” الذي يضرب مثالا حيا لموظفيه في تعامله بطريقة نزيهة وصحيحة مع أي مشكلة تواجهه أو قرار يتخذه هو مدير يغرس مبدأ أخلاقيات العمل بكل فاعلية في كل الموظفين حوله. إن المدير الذي يشجع موظفيه على الإبلاغ عن أي مخالفات للأنظمة والقوانين في أداء العمل هو مدير يغرس روح الأمانة والنزاهة والالتزام بأخلاقيات العمل في أفراد فريقه. إن المدير الذي لايرضى أبدا بأي ضرر أو ردود فعل انتقامية قد تلحق بأحد أفراد فريقه نتيجة إبلاغه عن أي مخالفة هو مدير لايساوم أبدا على توفير البيئة الآمنة التي يستطيع الموظفون فيها الحديث عن أي مخالفات يرونها عبر القنوات الرسمية المتاحة. إن المدير الذي يوافي موظفيه بأي قوانين أو أنظمة جديدة ويراجعها معهم بشكل دوري هو مدير لايهمه فقط أن يؤدى العمل، ولكن يهمه أيضا أن يؤدى العمل بالطريقة التي لاتتعارض مع أخلاقيات العمل أو تخالف أي نظام وقانون يسري على شركته. إن المدير الذي يقوم بذلك كله هو مدير يعنيه أولا سمعة شركته ويعلم تماما بأن النزاهة والأمانة والالتزام بأخلاقيات العمل هي أحد الأسباب الرئيسة لنجاح شركته على المدى البعيد وكسب ثقة عملائها وبالتالي فإنه يحاول بكل ما آوتي من قوة أن يكون هو وفريقه، بجانب الفرق الأخرى، لبنة بناء في كيان شركته لامعول هدم ينخر في جسدها.

إن “المدير” بالصلاحيات التي يتمتع بها، والقدوة التي يضربها للآخرين في التزامه بأخلاقيات العمل يتفوق على أي قسم أو إدارة أخرى في تأثيره على تعزيز البيئة النزيهة. إن المدير هو “اللاعب رقم واحد” في صناعة أي بيئة تتخذ من أخلاقيات العمل شعارا لها. هذه هي وجهة نظري، أخبرني عن وجهة نظرك أنت؟!

أبو معطي!

قياسي

قبل ست سنوات التحق أحمد بإحدى الشركات. عندما بدأ عمله كان مجرد موظف صغير في أحد الأقسام. كانت مهامه مقتصرة فقط على بعض الأعمال البسيطة التي لاتتطلب أبدا اتخاذ قرار أو المشاركة في صناعته. أثناء سنته الأولى اكتشف أحمد بأن إحدى الشركات التي تتعامل معها شركته هي ملك لزوج خالته “أبو معطي”. لم يعر أحمد ذلك الأمر اهتماما. ومع أنه كان قد سمع عن الإفصاح عن تعارض المصالح في يومه الأول مع الشركة  إلا أنه كان يرى عدم وجود أي مصلحة له أبدا في تعاملات “أبو معطي” مع شركته خصوصا وأن علاقته بزوج خالته كانت سطحية جدا ولم يسبق له أن التقى به إلا مرة أو مرتين خلال العشر السنوات الأخيرة. بعد فترة، وفي أحد الاجتماعات العائلية، التقى أحمد بزوج خالته وأخبره عن عمله في تلك الشركة وهو الأمر الذي أفرح “أبو معطي” كثيرا حيث وجدها فرصة للحديث مع أحمد عن أنظمة  الشركة وطريقتها في التعامل مع المقاولين والموردين.

مع مرور الوقت، بدأت العلاقة تقوى بين أحمد و”أبو معطي”، وفي نفس الوقت كان أحمد يتطور ويترقى إلى مراتب أعلى في قسمه. فبعد أن كان متدربا أصبح مديرا وهو الأمر الذي جعله يفكر في تقديم الخدمة – بكل حسن نية –  لزوج خالته. وفعلا صار أحمد، كلما سنحت له الفرصة، يقوم بمحاولة إقناع زملائه في الشركة بأن شركة “أبو معطي” هي المورد الأفضل، طبعا دون أن يبوح لأحد عن علاقة القرابة التي كانت تربطه بأبو معطي مخافة أن يظن أحد بأن أحمد يحصل من قريبه على مقابل. في الحقيقة، لم يكن أحمد حينها يرجو أي مقابل من زوج خالته. كان يكتفي بكلمات الشكر والتقدير والثناء منه، كما كان يفرح كثيرا وهو يرى الدعوات تنهال عليه من خالته.

بعد خمس سنوات من عمله مع الشركة، ترقى أحمد ليكون مسؤولا كبيرا مخولا باتخاذ القرار وصناعته. كما أنه أصبح الآن عضوا في العديد من لجان تقييم المشاريع التي تمتلك القرار النهائي في ترسية مشاريع الشركة. ومع أن شركة “أبو معطي” لم تكن الأفضل من بين الموردين سعرا وجودة إلا أن أحمد أصبح الآن قادرا – بحكم منصبه وتأثيره – على ترشيح شركة زوج خالته للعمل مع الشركة في معظم الأوقات، خصوصا وأن “أبو معطي” أصبح يحاول رد الجميل لأحمد من حين لآخر. فمرة قدم له ولزوجته تذاكر سفر على الدرجة الأولى إلى ماليزيا، ومرة قام باستئجار شقة لأحمد وعائلته لمدة شهر كامل في أحد الفنادق المطلة على بحيرة الصنوبر في أوزونغول في تركيا، ومرة تكفل بجميع تكاليف الحفلة التي أقامها أحمد لابنه بمناسبة نجاحه في المدرسة. كل ذلك كان يحدث ومازال أحمد صامتا، لم يفصح لأحد عن ذلك.

في السنة السادسة، بدأت إدارة الشركة تلحظ بأن مستوى الخدمة المقدمة من الموردين كان ينخفض تدريجيا وخصوصا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، هذا بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الجودة، وهو ماستدعى إدارة الشركة إلى مراجعة الأسباب. وكانت المفاجأة، وجود شبهة فساد ورشاوى وتقديم هدايا فاخرة تستدعي التحقيق العاجل.

لم يكن أحمد يظن بأن محاولاته في مساعدة قريبه “أبو معطي” والحصول على تذاكر السفر ولعب دور “الواسطة” وغيرها سيصل إلى اتهامه بالفساد والرشوة ومن ثم فصله لاحقا. لم يكن يدرك أبدا أن السبب الرئيس في الكارثة التي لحقت به هو فشله في إدارة مصالحه المتعارضة منذ البداية. كان بإمكان أحمد أن يتجنب تلك الكارثة التي أدت إلى فصله وشوهت سمعته وسمعة شركته لو أنه أفصح عن وجود تعارض في مصالحه منذ سنته الأولى. لو أنه قام بذلك لاستطاعت الشركة وإدارتها أن يديروا تلك المصالح المتعارضة بالطريقة الصحيحة وأن يجنبوا أحمد والشركة تلك العواقب الوخيمة التي لحقت بهما جراء تلك التهم.

إن التعارض في المصالح كالبوابة التي تقود إلى الفساد، ولتجنب دخول تلك البوابة على الموظف أن يحاول في عمله تجنب أي تعارض بين مصلحته الشخصية ومصلحة العمل. ليس ذلك فقط، بل وأن تكون مصلحة العمل دائما فوق مصلحته الشخصية، والأهم من ذلك كله أن يفصح للإدارة عن وجود أي حالة تعارض مباشرة وفي الوقت المناسب. فإن لم يقم الموظف بتلك الأمور الثلاثة، فإن الموظف قد يجد نفسه فجأة وبدون مقدمات قد دخل البوابة، “بوابة تعارض المصالح”، ليعلق في أوحال أرض تسمى “أرض الفساد”.

بقي أن أخبركم بأن “أبو معطي” كان قد اعتاد على التكفل بأضاحي العيد الخاصة بأحمد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أنه – لسبب أو لآخر – قد توقف عن هذه العادة في هذه السنة!

لما تكبر تعرف يامحمد!

قياسي

قبل أيام وردتني رسالة على بريدي الإلكتروني من صديقي الأوروبي يهنئني فيها بدخول شهر رمضان ويدعوني إلى قراءة أحد المقالات الجديدة التي تتحدث عن الركائز الأساسية لأخلاقيات العمل. كان من ضمن تلك الركائز التي وردت في المقال الصدق، الأمانة، النزاهة، مكافحة الاحتيال، مكافحة الرشوة وغير ذلك من الركائز التي تعتبر مهمة جدا لأي شركة مهتمة بأخلاقيات العمل. بعد أن انتهيت من قراءة المقال قمت بالرد على صديقي أشكره على تهنئتي بشهر رمضان وأخبره بأنني استمتعت جدا بالمقال الذي أرسله.

هذا المقال جعلني أتأمل في كون هذه الركائز هي ركائز يفترض على الإنسان المسلم أن يتحلى بها حتى ولو لم يلتحق بدورة في أخلاقيات العمل أو يقرأ مقالا عن عواقب الرشوة والاحتيال. هي ركائز أخلاقية من المفترض أن تكون لدى الإنسان المسلم بالفطرة! حينها تذكرت بعض الآيات التي تحثنا على التحلي بهذه بالأخلاق أثناء تعاملاتنا كقوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” الذي ينهانا عن الاحتيال، وقوله تعالى: ” إن الله يأمركم بالعدل” الذي يأمرنا بالعدل والمساواة، وقوله تعالى” ويل للمطففين” الذي ينهانا عن الغش. و بعض الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم:” من غشنا، فليس منا‏”‏ وقوله:”عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة” و قوله: “لعن الله الراشي والمرتشي”.

إن المسلم عندما يكون صادقا ونزيها في تعاملاته مع الموردين والزبائن فضلا عن زملائه الموظفين وشركته التي يعمل لديها فإنه بذلك ليس متقيدا بسياسات الشركة وميثاق أخلاقها فقط وإنما أيضا هو سائر على خطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق. وعندما يتجنب أي مبلغ أو هدية قد تثير التساؤلات حول نزاهته وأمانته، فإنه ليس بذلك ملتزما فقط بقانون مكافحة الرشوة بل هو أيضا متبع لأوامر نبينا صلى الله عليه وسلم الذي حذرنا من الرشوة. وعندما يتعامل بعدل مع زملائه في الشركة، أو مع الموردين، أو الزبائن فإنه ليس يريد بذلك فقط أن “يمشي على النظام” بل وأيضا فإنه يقوم بذلك لأن الله أمرنا بالعدل. وعندما لايكذب في تعامله أو يزيف أو يزور أو يحتال أو يختلس فإنه لايقوم بذلك خوفا من عقاب أو فصل فقط وإنما لايقوم به لأنه يعلم بأن “من غشنا فليس منا”.

كما أن المسلم عندما يلتزم في عمله بهذه الصفات التي حث عليها دينه فإنه يقدم مثالا جميلا لكل المتعاملين معه سواء من موظفين، أو موردين، أوشركات أو غير ذلك، مثالا يجعله هو، وشركته التي ينتمي إليها، أهلا للثقة والاحترام.

في المساء، وأثناء تناول أول وجبة إفطار رمضانية مع العائلة، وجدتها فرصة لمشاركتهم مادار بخلدي حول تأكيد دين الإسلام على هذه الركائز والقيم الأخلاقية. بعد ان انتهيت من حديثي سألني ابني محمد ذو الست سنوات بكل براءة : “بابا وش يعني رشوة؟” ابتسمت في وجهه وقلت له:”لما تكبر تعرف يامحمد.. الله يكفيك شرها ويبعدك عنها. قل آمين”. قال محمد: “آمين يابابا”. وأكملنا الإفطار.

فصل الغشَّاشين!

قياسي

أيام دراستنا في الثانوية كان هناك أحد الطلاب المعروفين بالغش، وكان ذلك الطالب لايمارس الغش فقط بل ويعتقد جازما بأن الغش حلال. وعنما يرفض أحد الطلاب أن “يغششه” بحجة أن الغش حرام، كان يقول له “ياخي هذا مو غش.. هذي مساعدة”. كما أنه كان يدافع عن نفسه عندما يقبض عليه استاذ مادة الانجليزي وهو يغش بقوله “استاذ.. هذي لغة الغرب ويجوز الغش فيها”. وأيضا كان يحاول دائما اقناع الطلاب بأنه يحق لهم الغش في مواد الجيولوجيا والتاريخ والخغرافيا لأنها عديمة الفائدة ومضيعة للوقت. كان ذلك الطالب يبرر “الغش” لنفسه بطريقة أو بأخرى، وكان المهم فقط بالنسبة له أن يحصل على “الشهادة” مهما كانت الوسيلة!

في عالم الشركات والأعمال، قد نرى أحيانا بعض الأمثلة التي تذكرنا بالطالب أعلاه، والتي يكون أساسها قيام الموظف بتبرير مخالفته للأنظمة والقوانين أو سياسات الشركة أو قيمها بعبارات مثل: ” كل الموظفين يسوونه” أو “ماراح أحد يتضرر” أو “يحق لي أسوي كذا، لأن الشركة ماقدرتني”وهي العبارات الذي تجعل الموظف يقنع نفسه بأن فعله الخاطئ الذي يقوم به هو “صح ومن حقه”. فمثلا، تجده يبرر لنفسه أخذ الأدوات المكتبية الخاصة بالشركة إلى بيته وإعطائها لأولاده بأنه أمر يفعله الجميع. أو قد تجده يبرر لنفسه بأن شكواه الكيدية ضد زميله هي “رد اعتبار” للشكوى التي رفعها عليه زميله مسبقا. أو قد تجده يبرر حصوله على “مبلغ” من أحد الموردين بأن هذا المبلغ “ماراح يضر أحد، ومحد راح يدري أصلا “. أو تجده يبرر تمديد رحلة عمله لمدة يوم إضافي والإدعاء بأنه لم ينته من العمل بعد بأنه أمر يستحقه بناء على التعب والمجهود الذي قام به طوال السنة. أو تجده يقوم بخفض قيمة الأرباح في قوائم شركته المالية التي يقدمها لمصلحة الدخل وذلك من أجل دفع زكاة أقل، أو تضخيم قيمة الأرباح في القوائم المالية المقدمة للبنوك للحصول على تمويل أكبر وغير ذلك من الأمثلة. باختصار يكون السبب هو أن يقنع الموظف نفسه بأحقيته في استخدام الوسيلة التي تحقق أهدافه دون الاهتمام بالعواقب التي قد يتعرض لها هو أو شركته نتيجة لذلك العمل المخالف.

وبغض النظر عن اعتقاد الموظف بأن مايقوم به “صحيح ومن حقه”، يبقى الفيصل النهائي دائما لمعرفة الصواب من الخطأ في عالم الشركات والأعمال هو سياسات الشركة، أنظمتها، ميثاق أخلاقيات العمل لديها، قيمها، وقبل ذلك كله القوانين والأنظمة الحكومية التي تحكم قطاع العمل. فمثلا الموظف الذي يأخذ الأدوات المكتبية التي توفرها الشركة ليستخدمها أبناؤه، هو مخطئ ولاشك إذا كانت سياسات الشركة تنص على عدم استخدام ماتوفره الشركة إلا في العمل. والموظف الذي يشتكي زميله كذبا وبهتانا هو مخطئ في عرف النظام ويستحق العقوبة لأنه تقدم بشكوى كيدية حتى ولو كان يظن بأن مايقوم به هو رد اعتبار. والموظف الذي يحصل على مبلغ من المال لمساعدة مورد للفوز بعقد ما، هو مستلم لرشوة يعاقب عليها القانون. والموظف الذي يدعي بأن عمله لم ينته ليحصل على يوم “سياحي” على حساب شركته هو موظف محتال إذا كانت سياسة شركته لاتسمح بذلك. كما أن الموظف الذي يحرف البيانات المالية لشركته لخفض مبالغ الزكاة أو الحصول على تمويل أكبر هو مزور يستحق العقوبة.

إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يكون يكون نزيها في تعاملاته وأن يحذر من المبررات التي تشجعه على تبرير المخالفة، إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يستشير مديره المباشر، أو المسئولين في أقسام الموارد البشرية والقانونية وأخلاقيات العمل عند وجود أي إشكالية لديه أو تردد في القيام بعمل أو اتخاذ قرار. إن تحلي الموظف بأخلاقيات العمل يعني أن يكون الموظف قادرا على اتخاذ القرار الصحيح الذي لايتعارض مع قيم الشركة ونزاهتها والأنظمة والقوانين التي تسير عليها وبالتالي لايعرضها في المستقبل لأي عواقب كخسارة للمال أو السمعة، أو يعرضه هو لإجراءات تأديبية كالإنذارات أو الفصل.

وعوداً إلى زميلنا الطالب، بقي أن أخبركم بأن كل حججه وتبريراته للغش لم تنقذه أبدا من عقوبات المدير ووكيله، كما أن محاولات غشه المتكررة ساهمت وبشدة في تشويه صورة فصلنا عند المدرسين ومراقبي الاختبارات الذين كانوا يسمون فصلنا “فصل الغشاشين”، مع أن محاولات الغش لم يكن يمارسها سوى “غشاش” واحد فقط!

حتى لانقع في الفخ!

قياسي

في إحدى قاعات الدراسات العليا في أمريكا، سأل الأستاذ طلابه فيما إذا كان قد سبق لأحدهم ارتكاب جريمة. استغرب الطلاب من هذا السؤال ولم يجاوب أحد. ولما أعاد الاستاذ السؤال، بدأت تظهر على وجوه الطلاب علامات الامتعاض وعدم الرضا. وبعد أن أصر الاستاذ أكثر على الحصول على إجابة قام أحد الطلاب غاضبا وقال: أستاذ، كيف تجرؤ على أن تتهمنا بالإجرام؟ اعتذر الاستاذ بكل أدب، وسكت قليلا ثم قال لطلابه: “سأسألكم سؤالا آخر إذن. هل سبق لأحدكم قيادة سيارته بسرعة تزيد عن السرعة القانونية؟” وعندما رفع بعض الطلاب أيديهم، وكان من بينهم ذلك الطالب الغاضب، قال الاستاذ: ” أو ليس تجاوز السرعة جريمة يعاقب عليها القانون؟!” تذكرت هذه القصة عندما قادنا الحديث أنا وبعض الأصدقاء إلى الحديث عن الاحتيال(Fraud)  في عالم الشركات والأعمال، وكيف أن هناك بعض الموظفين الذين قد لايدركون أصلا ماذا يعني “احتيال” وهو ماقد يعرضهم للوقوع فيه أو التعرض للعقوبات بسببه،

ماهو الاحتيال؟ هل هو يعني مثلا أن يقوم الموظف بأخذ الأدوات المكتبية التي توفرها شركته إلى البيت معه بصورة مستمرة والاستفادة منها مع عائلته وأبنائه؟ أم أنه تزوير لشهادات الخبرة من أجل الحصول على وظيفة أفضل وبراتب أعلى؟ أم أن الاحتيال هو ببساطة قيام  الموظف بتسريب معلومات داخلية إلى صديق أو قريب بغرض مساعدته على الفوز بعقد جديد، أم أن الاحتيال هو تلاعب في نظام الفواتير أو التعويضات، أم أنه أبعد من ذلك بكثير كأن يقوم أعضاء مجلس الإدارة في شركة ما بالتلاعب في بياناتها المالية من أجل رفع سهم الشركة وإنقاذها من الإفلاس أو الخسارة؟ هل يأت الاحتيال على شكل بعض التصرفات التي تتعارض مع أخلاقيات العمل كعدم الإفصاح عن تعارض المصالح الشخصية مع مصلحة الشركة، أو قبول الهدايا التي قد تهدف إلى التأثير على قرارت الموظف؟ هل يعتبر عدم إفصاح الموظف عن مصلحته من التعاقد مع شركة تملكها عائلته نوعا من الاحتيال، وهل يعتبر تقديم هدية ثمينة أو عشاء فاخر لأحد العملاء بغرض التأثير على قراراته نوعا من الاحتيال.

الاحتيال في عالم الشركات والأعمال له صور متعددة، وماذكر أعلاه بعض منها وليس كلها. ولكن لكي نفهم ماذا يعني الاحتيال علينا أن ندرك أولا بأن الأمثلة السابقة كلها يجمعها شيء واحد، هو العنصر المشترك في كل عملية احتيال أو تلاعب، ألا وهو ببساطة تعمد الخداع وإخفاء الحقيقة من أجل الحصول على مكاسب شخصية أوعوائد مادية، سواء صغرت هذه الفوائد والمكاسب أم كبرت، وسواء كان المكسب منها مجرد توطيد علاقة مع شخص ما أو الحصول على مبلغ مقابل، سواء كان العائد منها ريالا واحدا أم ملايين الريالات، لافرق! في النهاية يبقى الاحتيال خيانة للأمانة وجريمة يعاقب عليها القانون.

إن معرفة معنى الاحتيال وصور حدوثه وعواقبه يساعد الموظف ولاشك على الحذر منه أو الوقوع في فخه، كما أنه يجنبه الوقوع ضحية  لأي عقوبات أو إجراءات إنضباطية – قد تصل إلى الفصل أو السجن-  قد تقع عليه مستقبلا بسبب ممارسة الاحتيال بقصد أو بغير قصد، أو حتى السكوت عنه!

أخلاقيات العمل.. برستيج أم ضرورة!

قياسي

في زمن مضى كان ينظر إلى أخلاقيات العمل على أنها مجرد تلك الأخلاق التي يشجع الموظف على الالتزام بها تجاه زملائه أو زبائنه كالابتسامة والوجه البشوش. كان ينظر إلى أخلاقيات العمل على أنها مجرد تلك “الصفات الخلقية” التي تؤهل الموظف لأن يحصل على جائزة الموظف المثالي في نهاية الشهر وكفى. ومع أن هذه الصفات الخلقية مازالت تشكل جزءا كبيرا ومهما من أخلاقيات العمل إلا أن أخلاقيات العمل أصبحت في وقتنا الحالي لاتقتصر على ذلك وحسب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير. فعندما نتحدث عن أخلاقيات العمل في زمننا هذا فإننا نتكلم عن تلك الأخلاقيات التي تحكم السلوك العام والسائد في موسسة ما، كالنزاهة والصدق والأمانة، وذلك في تعاملاتها الداخلية أو في تعاملاتها مع مورديها وزبائنها. فمن الممكن جدا أن ترى مؤسسة ما جميع موظفيها أصحاب وجه بشوش وابتسامة رائعة ولكنها في النهاية تدفع أعلى الغرامات أو تقع عليها اشد العقوبات نتيجة فضيحة مالية أو تعامل لايتفق مع أخلاقيات العمل، وهو مايحدث ببساطة نتيجة اهتمام تلك المؤسسة فقط بتحقيق أهدافها الربحية المؤقتة حتى ولو كان ذلك عن طريق الاحتيال، أو الخداع والغش أو حتى إخفاء الحقائق والعمل بطريق ملتوية تحقق، على المدى القصير، أهدافا سريعة وأرباحا عالية!

عندما نقرأ في تاريخ الشركات فإننا نجد الكثير من الشركات قد تعرضت لنكسات مفاجئة، أو خسائر كبيرة نتيجة لعدم التزامها بأخلاقيات العمل. فبعض الشركات أصبحت بين عشية وضحاها شركات مفلسة نتيجة غرامات فرضت عليها بسبب تضليل الجهات الحكومية. وبعض الشركات خسرت سمعتها بسبب فضائح مالية أو اختلاسات لم تكن أبدا لتحدث لو أن موظفيها كان لديهم الوعي الكافي حول مخاطر تلك الممارسات التي تتعارض تماما مع أخلاقيات العمل. ولك أن تقرأ في تاريخ انهيار شركة انرون الأمريكية (21000 موظف)، أو البحث في قوقل عن مقدار الغرامة “البليونية” التي دفعتها شركة تويوتا مؤخرا نتيجة تقديمها لبيانات مضللة للجهات الحكومية في أمريكا.

إن أخلاقيات العمل في زمننا هذا لم تعد مجرد “برستيج” تتباهى المؤسسة بالتزام موظفيها به، بل أصبحت ضرورة قصوى ومطلبا ملحا لاستمرار الأرباح وتحقيق النجاحات المستمرة والمحافظة على السمعة في سوق العمل. لقد أصبح تشجيع ثقافة “العمل بالطريقة الصحيحة” وليس فقط “العمل لأجل العمل” إحدى الركائز الأساسية التي تجنب المؤسسات الوقوع مسقبلا ضحية لغرامات أو عقوبات مالية كبيرة قد تفرض عليها من قبل جهات تنظيمية بسبب أدائها للعمل بالطريقة “الخطأ” بل وتحمي مديريها ورؤؤساها التنفيذين وموظفيها وملاك أسهمها من أي اتهامات أو مسئوليات شخصية قد تلحق بهم نتيجة الإخلال بالقوانين التنظيمية. وأبعد من ذلك فإن المؤسسة “الملتزمة أخلاقيا” هي مؤسسة تثبت لجميع من حولها بأن لديها التزاما صارما وعلى أعلى مستوى بكل ما من شأنه أن يبني الثقة بينها وبين من تتعامل معهم وهو ماينعكس ولاشك على توسعاتها وتطورها في سوق العمل مستقبلا.

بقي أن نقول وباختصار شديد بأن المبدأ الأساسي لأخلاقيات العمل هو الاهتمام أولا بالطريقة التي تؤدي بها المؤسسة أعمالها وتمارس بها تعاملاتها مع الآخرين وتتخذ بها قرارتها. ذلك المبدأ المهم الذي يتوجب على كل فرد في تلك المؤسسة سواء كان كبيرا أو صغيرا أن يلتزم به. وبدون هذا المبدأ والتزام المؤسسة بأكملها به قد تجد المؤسسة نفسها – فجأة وبدون سابق إنذار –  تدفع الثمن غاليا!

علبة الألوان!

قياسي

خلال الصف الأول الابتدائي حصل لي موقف لن أنساه..
في أحد الأيام كانت عندنا حصة رسم. وقت الحصة وعندما فتحت حقيبتي تفاجأت بأنني نسيت علبة الألوان. كانت صدمة لم أملك معها -كطفل- سوى الدموع الصامتة..
انتبه استاذي لدموعي ولم يكن يعرف السبب..
اقترب مني وقال: ياباسم ليه تبكي؟!
اعترفت له بكل براءة وقلت نسيت الألوان!
أخذني الاستاذ إلى خارج الفصل وقال لي..
باسم “كلنا نخطئ ولكن هالشي مو خطأ.. الخطأ هو لما تسوي الخطأ مرة ثانية. أنا أعرف انك شاطر وانك بس نسيت..
دخلنا الفصل وقال الاستاذ للطلاب الصغار: باسم نسى ألوانه وش رايكم نساعده ويعطيه كل واحد منكم لون؟
وفورا ناولني كل طالب قلما واحدا من كل لون.. ألوانا لونت حياتي مرة أخرى ذلك اليوم!

كان ذلك الموقف هو الموقف الأول في حياتي الذي عرفت فيه معنى “التعاون” وماذا يعني “الاستاذ المربي”!

السكوت ليس دائما من ذهب!

قياسي

 

 

قبل أيام كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء. كان حديثنا حول ظاهرة عدم حديث بعض الموظفين عن ملاحظاتهم على العمل عبر القنوات الرسمية المتوفرة في الشركة وبدلا من ذلك التحدث بها مع زملائهم الذين لاناقة لهم ولاجمل في التعامل مع تلك الملاحظات. كنا نتحدث عن الموضوع من ناحية فيما إذا كان ذلك نوعا من “الفضفضة” أم أنه نوع من السلبية، أم فيما إذا كان انعدام الثقة في نظام الشركة وحلها للمشكلات هو السبب وراء ذلك. يقول صديقي بأنه يوميا يسمع في ردهات العمل أو في وقت الغداء العديد من المواضيع المتعلقة بما يوصف بالظلم، أو تقديم المصالح الشخصية على مصالح الشركة، أو أخطاء بعض المسؤولين في إدارة الشركة. كما أنه ومن فترة لأخرى يسمع من بعض زملائه بعض الممارسات التي يعتقد الموظف بأنها “خطأ” واضح أو تتعارض مع مبادئء وقيم الشركة، ولكنه عندما يسأل المتحدث فيما إذا كان قد اتخذ أي إجراء إيجابي تجاه تلك الملاحظات تكون الإجابة عادة “وأنا وش دخلني!”

 

إن آخر شيء تتمناه أي شركة ناجحة في العالم أن يشعر الموظف بـ”اللامسئولية” تجاه شركته. فالأحاديث أو “الفضفضة” السلبية التي لايعقبها أي إجراء إيجابي يتخذه الموظف للمساهمة في حل أي مشكلة دليل على خلل في الشركة ووعي موظفيها بمسئوليتهم تجاهها. فعندما يرى الموظف أمرا يعتقد بأنه مخالف لما تقوم عليه الشركة من أسس ومبادىء فإن أول أمر ينبغي للموظف أن يقوم به المساهمة الإيجابية في التعامل مع المشكلة وذلك سواء عن طريق اتخاذ الإجراء المناسب، بعد استشارة المسئولين طبعا، إذا كان الموظف يملك الصلاحية المناسبة أو على الأقل إيصال المشكلة للمسؤولين عبر القنوات الرسمية المتاحة كالمدير المباشر أو الموارد البشرية أو القسم القانوني في الشركة أو أي قناة رسمية أخرى.

 

كان حديثنا مليئا بالفوائد التي ستجنيها أي شركة من ملاحظات موظفيها ووأرائهم ومعلوماتهم التي يدلون بها عن أي مخالفات لاتتفق مع قيم الشركة. ومع أن الوقت داهمنا إلا أنني اعترف بأن الحديث مع صديقي حول تحمل المسؤولية وعدم السكوت عن أي أمر من شأنه أن يضر بالشركة وسمعتها كان ماتعا وشيقا.

 

بعد أن افترقنا أنا وصديقي وقبيل المساء أمسكت بجوالي وكتبت رسالة نصية قصيرة له: “سأكتب عن حديثنا مقالا بعنوان:السكوت ليس دائما من ذهب. دقائق وأتاني رده مذيلا بوجه أصفر يبتسم “قدااام ياباسم!”

بالإعادة البطيئة!

ملاحظة

أثناء تصفحي موقع اليوتيوب الأسبوع الماضي، شاهدث مقطعا لأحد الأهداف الطريفة في عالم كرة القدم. كان الطريف والمضحك في الهدف كما بدا في عنوان المقطع، أن اللاعب سجل الهدف بيده ولكنه، وبعد احتساب الحكم للهدف، سجد لله شكرا وكأنه لم يقم بأي مخالفة! ذلك المقطع قادني، كما هي عادة اليوتيوب دائما، إلى بعض المقاطع التي تتحدث عن الأخلاقيات في كرة القدم. كانت بعض تلك المقاطع تعرض أمثلة للعب النظيف أو العادل (fair play) بينما كانت هناك مقاطع ترصد حالات للخداع والغش والتحايل على الحكام. أثناء مشاهدتي لتلك المقاطع، لفت انتباهي حجم التوثيق ودقته الذي تستطيع كاميرات “الإعادة البطيئة” أن تنقله للمشاهد لتترك له الحكم على أخلاقيات اللاعب والتزامه باللعب النظيف.

أثناء إبحاري بين المقاطع، شاهدت مقطعا أظهرت الإعادة البطيئة فيه أن ميروسلاف كلوزه سجل هدفا بيده في إحدى المباريات، إلا أن الإعادة أظهرت أيضا بأن كلوزه اعترف للحكم مباشرة بأن الهدف كان باليد ليقوم الحكم بإلغائه، ولينال كلوزه في المقابل احترام الجميع مشجعين وخصوما ويتم منحه جائزة اللعب النظيف نتيجة سلوكه. وفي المقابل، شاهدت مقطعا آخر يظهر اللاعب الفرنسي تيري هنري في مباراة ايرلندا الشهيرة وهو يلمس الكرة بيده مرتين قبل أن يمرر الكرة لزميله ليسجل هدفا ويحرم ايرلندا من التأهل لكأس العالم، وهو الموقف الذي جعل صحيفة ديلي تيلقراف الاسترالية تضع تيري على رأس قائمة الغشاشين الرياضيين. في مقطع آخر تظهر الإعادة أن ديفيد لويس لاعب تشيلسي السابق كان يقوم بالتمثيل على الحكم ليتسبب في طرد أحد اللاعبين، كما تظهر لقطة أخرى بأن اللاعب نفسه، ولكن هذه المرة مع باريس سان جيرمان وضد فريقه السابق تشيلسي، كان يقوم بمسح الرذاذ الصابوني المستخدم لتحديد مكان الخطأ ووضعه في مكان آخر للتحايل على الحكم وتغيير موقع الكرة. وعلى العكس، آظهرت إحدى اللقطات لاعب فريدر بريمان، آرون هانت، وهو يرفض الحصول على ضربة جزاء كان قد احتسبها الحكم لصالحه بعد اعترافه للحكم بأنه قام بالتمثيل للحصول عليها.

مابين ذلك اللاعب أو ذاك أمثلة كثيرة تعلمنا بأن الأخلاقيات والصدق تجبران الجمهور على احترام اللاعب، وأن اللاعب حتى وإن نجح في احتياله على الحكم، أو استطاع تجاوز القانون، أو أقنع نفسه وحاول إقناع غيره بأن الخطأ ليس خطأه فإن “الإعادة البطيئة” ستبقيه في نظر الكثيرين مذنبا. تماما كما حدث لتيري هنري الذي صرح بعد حادثة مباراة ايرلندا بأن الخطأ كان خطأ الحكم الذي لم يحتسب المخالفة، ومع أن تيري طالب لاحقا بإعادة المباراة كنوع من الندم، إلا أن ذلك لم يمنعه من تلقي انتقادات كثيرة بسبب الحادثة وجعل بعض شركات الإعلان تتراجع عن ارتباطها به نتيجة فعلته. في المقابل، تعلمنا تلك الأمثلة بأن جمال اللعب ومتعته في عدله ونظافته، بأن فرحة تحقيق الهدف لاتكتمل أبدا إذا لم يكن الهدف شريفا وعادلا. فآرون هنت، ومع أن فريقه كان يصارع للابتعاد عن شبح الهبوط رفض الحصول على ركلة الجزاء لأنه – وكما قال – لم يكن يرغب أبدا أن يكسب المباراة بالغش، ولذلك سمي بعدها بالبطل.

لنتخيل بأن كاميرات الإعادة البطيئة، تماما كتلك الموجودة في الملعب، موجودة في مكاتب موظفي الشركات، مدرائها ومجالس إدارتها، في غرف اجتماعاتهم، ترصد أفعالهم، قراراتهم، تعاملهم مع زملائهم وعملائهم ومنافسيهم فكم ياترى من المقاطع التي تتحدث عن “العمل النظيف” سنرى، كم من المقاطع سيفخر بها أصحابها، وكم من المقاطع سيلاحق أصحابها العار طوال الدهر، وكم من المقاطع ستكون طريفة جدا كذلك المقطع الذي سجل فيه اللاعب هدفا “بيده” ثم خر ساجدا لله!