حتى لانقع في الفخ!

قياسي

في إحدى قاعات الدراسات العليا في أمريكا، سأل الأستاذ طلابه فيما إذا كان قد سبق لأحدهم ارتكاب جريمة. استغرب الطلاب من هذا السؤال ولم يجاوب أحد. ولما أعاد الاستاذ السؤال، بدأت تظهر على وجوه الطلاب علامات الامتعاض وعدم الرضا. وبعد أن أصر الاستاذ أكثر على الحصول على إجابة قام أحد الطلاب غاضبا وقال: أستاذ، كيف تجرؤ على أن تتهمنا بالإجرام؟ اعتذر الاستاذ بكل أدب، وسكت قليلا ثم قال لطلابه: “سأسألكم سؤالا آخر إذن. هل سبق لأحدكم قيادة سيارته بسرعة تزيد عن السرعة القانونية؟” وعندما رفع بعض الطلاب أيديهم، وكان من بينهم ذلك الطالب الغاضب، قال الاستاذ: ” أو ليس تجاوز السرعة جريمة يعاقب عليها القانون؟!” تذكرت هذه القصة عندما قادنا الحديث أنا وبعض الأصدقاء إلى الحديث عن الاحتيال(Fraud)  في عالم الشركات والأعمال، وكيف أن هناك بعض الموظفين الذين قد لايدركون أصلا ماذا يعني “احتيال” وهو ماقد يعرضهم للوقوع فيه أو التعرض للعقوبات بسببه،

ماهو الاحتيال؟ هل هو يعني مثلا أن يقوم الموظف بأخذ الأدوات المكتبية التي توفرها شركته إلى البيت معه بصورة مستمرة والاستفادة منها مع عائلته وأبنائه؟ أم أنه تزوير لشهادات الخبرة من أجل الحصول على وظيفة أفضل وبراتب أعلى؟ أم أن الاحتيال هو ببساطة قيام  الموظف بتسريب معلومات داخلية إلى صديق أو قريب بغرض مساعدته على الفوز بعقد جديد، أم أن الاحتيال هو تلاعب في نظام الفواتير أو التعويضات، أم أنه أبعد من ذلك بكثير كأن يقوم أعضاء مجلس الإدارة في شركة ما بالتلاعب في بياناتها المالية من أجل رفع سهم الشركة وإنقاذها من الإفلاس أو الخسارة؟ هل يأت الاحتيال على شكل بعض التصرفات التي تتعارض مع أخلاقيات العمل كعدم الإفصاح عن تعارض المصالح الشخصية مع مصلحة الشركة، أو قبول الهدايا التي قد تهدف إلى التأثير على قرارت الموظف؟ هل يعتبر عدم إفصاح الموظف عن مصلحته من التعاقد مع شركة تملكها عائلته نوعا من الاحتيال، وهل يعتبر تقديم هدية ثمينة أو عشاء فاخر لأحد العملاء بغرض التأثير على قراراته نوعا من الاحتيال.

الاحتيال في عالم الشركات والأعمال له صور متعددة، وماذكر أعلاه بعض منها وليس كلها. ولكن لكي نفهم ماذا يعني الاحتيال علينا أن ندرك أولا بأن الأمثلة السابقة كلها يجمعها شيء واحد، هو العنصر المشترك في كل عملية احتيال أو تلاعب، ألا وهو ببساطة تعمد الخداع وإخفاء الحقيقة من أجل الحصول على مكاسب شخصية أوعوائد مادية، سواء صغرت هذه الفوائد والمكاسب أم كبرت، وسواء كان المكسب منها مجرد توطيد علاقة مع شخص ما أو الحصول على مبلغ مقابل، سواء كان العائد منها ريالا واحدا أم ملايين الريالات، لافرق! في النهاية يبقى الاحتيال خيانة للأمانة وجريمة يعاقب عليها القانون.

إن معرفة معنى الاحتيال وصور حدوثه وعواقبه يساعد الموظف ولاشك على الحذر منه أو الوقوع في فخه، كما أنه يجنبه الوقوع ضحية  لأي عقوبات أو إجراءات إنضباطية – قد تصل إلى الفصل أو السجن-  قد تقع عليه مستقبلا بسبب ممارسة الاحتيال بقصد أو بغير قصد، أو حتى السكوت عنه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *